الرسالة التي وصلتني من أحد عشر شابا وفتاة، من قرى وبلدات محافظة معان، تختصر جزءا من الإجابة عن سؤال “السواد العام” الذي ما زلنا نتساجل حوله، هذه المرة المسؤول عنه هو الدولة، بإداراتها ومؤسساتها. إذ لا يمكن لأحد أن يصدق أن رئيس جامعة (اسمها جامعة الحسين بن طلال طيب الله ثراه)، يتحدى قرارات وتوجيهات دولة بكاملها، ويرفض إصدار قرار بمباشرة عمل 11 شابا وفتاة، مضى على تخرج بعضهم أكثر من عشر سنوات، علما بأنه تم تنسيبهم من قبل ديوان الخدمة المدنية، بناء على طلب من الجامعة ذاتها، معقول أن يعاقب هؤلاء بلا ذنب، ولا يتدخل أي مسؤول لإنصافهم، ثم نقول لهؤلاء الشباب: كونوا وطنيين إيجابيين، وإياكم أن تصابوا بالإحباط والاكتئاب. حين اتصل بي بعض هؤلاء المرشحين للتعيين، وطلبوا المساعدة، سألت رئيس الجامعة عن الموضوع، فتعذر بأنه لا يوجد لديهم مخصصات بالموازنة، وحين تتوفر سيتم تعيينهم، بصراحة أخذت كلامه على محمل التصديق، لكنني حصلت على وثائق رسمية تؤكد أن المخصصات موجودة، تم رصدها في موازنة العام 2020، ورحّلت للعام الماضي، لكن لا أعرف أين صرفت وكيف؟ الوثائق تؤكد، أيضا، أنه بتاريخ 31/12/2019 نسب ديوان الخدمة، بناء على طلب من الجامعة 11 شخصا للتعيين، وتم استكمال جميع الأوراق المطلوبة بتاريخ 26/2/2020، حيث وجه ديوان الخدمة للجامعة كتابا يطلب الإسراع بإجراءات التعيين خلال مدة أسبوعين، لكن الجامعة وضعت الكتاب بالأدراج حتى نهاية شباط 2020. مع صدور قانون الدفاع (آذار 2020)، تم ايقاف التعيينات بسبب الجائحة، لكن بتاريخ 16/7/2020 أصدرت الجامعة مذكرة لديوان الخدمة تجدد فيها طلبها لملء الشواغر الـ11 السابقة، بعد ذلك صدر قرار من مجلس الوزراء ينص على استكمال إجراءات التعيين لمن تم إيقاف تعيينهم بسبب الجائحة. بدأت قصة رئيس الجامعة من هنا، حيث رفض هذه التعيينات، بحجة عدم توفر مخصصات، وحين اكتشف أن المخصصات كانت مرصودة، تحجج بأن هؤلاء ليس لديهم خبرة، مع أن الجامعة حين طلبت لم تشترط ذلك، كما أن ديوان الخدمة التزم بالمواصفات الوظيفية التي قدمتها الجامعة. أعتذر سلفا للقارئ الكريم عن سرد مثل هذه التفاصيل، لكن أستأذن بتسجيل عدة ملاحظات، الأولى: الجامعة هي التي خاطبت الديوان وطلبت منه التنسيب بتعيين الموظفين، وتم ذلك وفق الأصول، فلماذا تراجع الرئيس، وقبل ذلك، لماذا تم تأجيل التعيين المفترض أن يتم خلال أسبوعين؟ وإذا افترضنا أن ذلك حدث بالخطأ، وأن كورونا أوقفت التعيينات بعد ذلك، فلماذا لم يلتزم رئيس الجامعة بقرار مجلس الوزراء الذي ينص على استكمال إجراءات الموقوفين عن التعيين بسبب الجائحة؟ الملاحظة الثانية، لماذا يصر رئيس الجامعة على إلغاء تعيين هؤلاء المنسبين من ديوان الخدمة، رغم أنهم استكملوا إجراءات الامتحان والمقابلة، ثم يقوم بتعيين آخرين من خلال طلب استثناء من رئاسة الوزراء (حسب ما علمت) ومن أين تم رصد مخصصات لهم، إذا كان صحيحا أن الجامعة لا يوجد لديها أموال تسمح بالتعيين، هل المشكلة أن هؤلاء ليس لديهم “ظهر” أو واسطة تضغط لتعيينهم؟ الملاحظة الثالثة، محافظة معان من أكثر المحافظات في نسبة البطالة والهجرة، ويعاني أبناؤها من تصاعد الفقر وتدني مستوى الخدمات، على الرغم من ذلك يصر رئيس الجامعة على الانضمام لغيره من مديري الشركات والمؤسسات الأخرى الموجودة هناك، برفض تقديم ما يلزم من خدمات للمجتمع المحلي، بل وحرمان شبابه من حقهم بالتعيين، بما يعني أن الجامعة وغيرها من الشركات، أصبحت جزرا معزولة عن بيئاتها المحلية، ومحاطة بأسوار عالية. لا أدري لمن أتوجه ب”مظلمة” هؤلاء الشباب الذين انتظروا أكثر من عامين للالتحاق بعملهم، هل أتوجه لمجلس أمناء الجامعة، أم لوزير التعليم العالي، أم لرئيس الحكومة، أم لمجلس النواب (رفع أعضاء بالمجلس مذكرة للحكومة بهذا الخصوص)، لا أدري والله. كل ما أرجوه أن تصل رسالة هؤلاء لمن يعنيه الأمر، وأن ينصفهم، لكي يستعيدوا حقهم، ويخرجوا من دائرة “السواد العام” التي نتهمهم أنهم استغرقوا فيها، وأخشى أن أقول: إن بعض المسؤولين هم من أغرقهم فيها.