صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
اختتم المجلس النيابي مناقشانه لمشروع موازنة الدولة لعام 2020، وانفض السامر مساء الأربعاء الماضي، بعد عناء في الجلوس والاستماع لأربعة أيام متواصلة. جرى خلال المناقشات ثناء عطرا على الحكومة من معظم النواب، كما جرى نقدا لها من قبل 46 نائبا وهم من عارضوا مشروع الموازنة. إلاّ أن الحكومة فازت بالموافقة وتمرير المشروع بسلام في نهاية الأمر.
كانت معظم الخطب التي سمعناها من النواب، عبارة عن تسوّلات أمام القواعد الشعبية، لمحاولة تكرار الفوز في الانتخابات القادمة، وكان بعضها الآخر تسوّلا لكسب رضى الجهات المعنية عند الامتحان في الانتخابات القادمة. كنت أتمنى أن تتركز المناقشات على أرقام الموازنة، وكيفية تخصيصها لأبوابها المختلفة بدلا من الخطب الإنشائية، والكرم الحاتمي في كيل المدائح للحكومة التي فشلت في جميع مهامها.
كنت أتمنى أيضا أن يبين رئيس الوزراء استراتيجية حكومته، في معالجة الكثير من القضايا الاقتصادية الداخلية، إضافة لعجز الموازنة ومواجهة غول المديونية، بدلا من سماع كلاما عاما، معزّزا بخطاب وزير ماليته، عن خفيض الضريبة على اللبن المخيض والمعكرونة والمحاية ومثيلاتها، متناسيا الأمور الأكثر أهمية.
وهنا أتساءل : ألم يكن من الأجدى بالمجلس عدم إضاعة الوقت والجهد في الخطابات، واستبدالها بتوزيع مشروع الموازنة مكتوبا على أعضائه قبل فترة كافية، والسماح فقط لمن لدية اقتراح أو تعديل على المشروع أن يطرحه للمناقشة، ويجري التصوّيت عليه دون خطابات مملّة، عطلت عمل الوزراء في تسيير أعمال المواطنين، وأرهقت النواب وحتى المتابعين لذلك السامر ؟ تلك الخطب التي تجاوزت وقتها المحدد لكثير من الخطباء، وتركزت على قضايا ليس هذا مكانها. وعلى كل حال فإنها ذكّرتني بما كتبه أدهم شرقاوي في أحاديث المساء أقتبسه بشيء من التصرف :
” المتسولون ليسوا أولئك الذين يلبسون ثيابا رثّة، ويمدون أيديهم للمحسنين في الطرقات. هناك متسولون مرموقون لهم مكانتهم في المجتمع . . ! منهم شعراء كأبن هانئ الأندلسي الذي قال للخليفة الفاطمي المعز لدين الله :
ما شئت إلاّ ما شاءت الأقدار * *
فاحكم فأنت الواحد القهّار
( وأستغفر الله مما قاله ).
وهناك مفتون من رجال الدين يتسوّلون . . فالدين عندهم كالقماش بين أيديهم، يفصلونه على مقاس جسم السلطان. وهناك متسوّلون عندهم قنوات تلفزيونية، وهناك موظفون يتسوّلون عند رؤسائهم، وهناك مدرسون يتسوّلون عند مدير المدرسة أو رئيس الجامعة. والأبلغ من ذلك أن هناك نوابا يتسوّلون عند قواعدهم الشعبية وعند أصحاب القرار، للوقوف إلى جانبهم في المستقبل، سواء أجادوا أم قصّروا في أداء الواجبات تجاههم وتجاه الوطن.
وهذا لا يعني بطبيعة الحال، أن من يؤدون واجباتهم بكفاءة ويحترمون الآخرين، أن في ذلك مثلبة عليهم، بل على العكس من ذلك فلهم التقدير والاحترام، لأن هناك فارق كبير بين الحالتين.
أولئك المتسوّلون وأمثالهم، لا يمدون أيديهم كالمتسوّلين الذين نراهم في الشوارع، ولكنهم يُريقون ماء وجوههم المصفحة، لتحقيق مآربهم الشخصية، حتى وإن كانت على حساب كرامتهم ومهما كان الثمن ..!
التاريخ : 17 / 1 / 2020