صراحة نيوز – بقلم جميل النمري
كأن الحكومة تراوح في المربع التقليدي الذي حشرت به نفسها مع الصندوق الذي يمثله موظفون لا يعنيهم استكشاف آفاق بديلة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، ففي آخر النهار لديهم حساب ختامي يجب تقديمه ويحقق شكلا ومباشرة زيادة الإيرادات.
وحسب ما يعلن تركز الخلاف على الإعفاءات من الضريبة، هل تبقى بسقف 24 ألف دينار للأسرة كما في القانون المعمول به أم تنزل الى 16 ألف دينار حسب مشروع حكومة الملقي؟ الحكومة لم تفصح عن مقترح نهائي، ونائب الرئيس د.رجائي المعشر تحدث عن إضافة 4 آلاف دينار إعفاء على نفقات التعليم والصحة.
منذ البداية طرحنا مقترحا جذريا بديلا هو إبقاء الإعفاءات عند سقف 24 ألف دينار لكن تحويل نصفها الى إعفاء على النفقات، عموم النفقات وليس الصحة والتعليم فقط.
في المقترح رؤية لإعطاء دفعة حاسمة للتطوير والتحديث والتحفيز والتنظيم ومكافحة التهرب و”التجنب” ليس لضريبة الدخل بل المبيعات أيضا وبما يمكن من العودة للتخفيض على كثير من السلع، ولا يتسع المقام هنا للشرح، لكن أصحاب الشأن يفهمون ذلك، وتطبيق المقترح سيكون الأداة الأفعل للنجاح في فرض اعتماد الفوترة الالكترونية وفق ما تقترح الحكومة.
قد يكون هناك نقاط أخرى خلافية مع الصندوق، لكن هي على الأرجح تدور حول نسبة الضريبة على القطاعات الأخرى التي تتجه الحكومة الى تخفيضها على بعض القطاعات مقارنة بمشروع حكومة الملقي الذي رفع سقف الضريبة على معظم القطاعات بنسبة خمسة أو ستة بالمائة، وهنا تراوح الحكومة في المربع التقليدي، فهي ستطبق التصاعدية على الأفراد وليس على الشركات وحتى على الأفراد سيبقى الترتيب هو 5 شرائح كما في مشروع حكومة الملقي الذي ينص على نسبة 5 % تدفع عن أول 5 آلاف دينار بعد المبلغ المعفى وتنتهي بـ25 % على أي مبلغ فوق 25 ألف دينار، أما الشركات والمؤسسات فالمبلغ نسبة واحد من أول فلس.
هذه ليست تصاعدية بل تقزيم للفكرة وكل المداخلات في المجتمع كانت تقترح العمل بتصاعدية أوسع بتقسيم الدخل الى عشر شرائح يمكن أن تبدأ بشيء بسيط 2 % مثلا وتنتهي بـ40 % عند شرائح عالية مثلا فوق النصف مليون دينار، وهذا سيرضي كثيرا الطبقة الوسطى. ويجب تطبيق المبدأ نفسه (التقسيم الى عشر شرائح) على الشركات بدل النسبة الصماء التي تبدأ من أول قرش وتطبيق التصاعدية المتدرجة على صافي الأرباح سيرضي الشركات، وبتطبيق هذا المبدأ يمكن أيضا توحيد النسب الضريبية على جميع القطاعات لأن المصنع سيدفع بقدر البنك حين يحقق ربحا صافيا يضاهي البنك، والإعفاء والتحفيز هنا يتحولان لمعالجة التشوه القاتل الذي جعل الناس يكرهون الحكومة وينفرون من البلد، التشوه الذي ينهك السوق وينوء تحته العمل والإنتاج والاستهلاك، وهو الرسوم والضرائب على الضرائب على الضرائب التي تستوفى في المحطات المختلفة. والصيغة الخلاّقة للقانون نتحدى بها الصندوق ومن وراء الصندوق.
المسؤولون لا يلتفتون الى مبدأ الإعفاء على عموم النفقات لأنهم يعتبرونها سلفا غير عملية، وهذا صحيح فقط إذا افترضنا أن دافع الضريبة أو المستهلك سيأخذ فواتير ورقية يدققها موظفو الضريبة، لكن اليوم نتحدث عن فوترة الكترونية تنقل المعلومات مباشرة كما في بطاقات الدفع الإلكترونية.
وإذا افترضنا أن ربع إنفاق الأسرة هو لخدمات وسلع متفرقة غير قابلة للفوترة، فكل النفقات الأخرى يمكن فوترتها ابتداء من كراج تصليح السيارات الى السوبرماركت الى الطبيب والمحامي…الخ، وهو ما سيغير كل الأداء العام ويعزز قيم المهنية والاستقامة والمسؤولية التي يفتقر لها السوق في الأردن.