صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
يقول الزعيم الهندي الراحل جواهرلال نهرو في رسالته الأخيرة من السجن إلى ابنته أنديرا، بتاريخ 9 أغسطس / آب 1933 ما يلي وأقتبس مقتطفات منها :
” هكذا ينتهي السجن السادس لي وبعده أخرج إلى العالم الفسيح، ولكن لأية غاية ؟ إن معظم أصدقائي ورفاقي موزعون بين السجون، وبلادي كما تبدو كأنها سجن كبير . . . لقد كتب بنيامين دزرائيلي السياسي الإنجليزي المشهور في القرن التاسع عشر : ( إن الرجل العادي إذا حُكم عليه بالنفي أو السجن ضاع لبّه. أما رجل الأدب فإنه يعتبر أيام السجن أسعد أيام حياته ). لكنني لست من رجال الأدب، ولا أزعم أن السنوات الكثيرة التي قضيتها في السجن أسعد أيام حياتي.
إن عصرنا الراهن عصر أوهام . . عصر شك وتردد واستفسار . . ونحن أبناء هذا العصر لم نعد نقبل الكثير من المعتقدات والعادات القديمة ولم نعد نؤمن بها، سواء كان ذلك في آسيا أو أوروبا أو أمريكا. ولهذا فنحن نبحث عن طرق جديدة، وعن جوانب أخرى للحقيقة تكون أكثر ملائمة لما يحيط بنا من ظروف.
إنه من السهل دائما أن يحب الإنسان ما في هذا الكون من جمال، وأن يعيش هائما في عالم الفكر والخيال، ولكن محاولة الفرار من شقاء الآخرين بهذه الطريقة، وعدم الاهتمام بما يعنيهم، ليس من الشجاعة في شيء. فالفكر يجب عليه لكي يحقق نفسه، أن يقود صاحبه إلى العمل. وقد قال رومان رولاند : ( إن العمل هو نتيجة للفكر . . وكل فكر لا يؤدي إلى عمل، يعد غدرا وخيانة. ولذلك إذا كنا خدّاما للفكر، فيجب أن نكون خدّاما للعمل ).
والناس يتجنبون العمل عادة خوفا من العواقب، لأن العمل معناه المخاطرة. والخطر يبدو من بعيد شيئا رهيبا حقا. ولكنك لو نظرت إليه عن قرب، فلن تجده مفزعا إلى هذا الحد، بل أنه كثيرا ما يكون رفيقا رائعا، يضاعف من متعة الحياة. إن الحياة الرتيبة العادية كثيرا ما تبدو مملة، نأخذ فيها الأشياء على أنها أمور طبيعية لا تستوجب الفرح. ولكن ما أعظم ما نقدّر هذه الأشياء ونحبها، عندما نحيا بدونها قليلا من الوقت.
إن كثيرا من الناس يتسلقون الجبال ويخاطرون بحياتهم، بحثا عن المتعة التي يجدونها في هذا التسلق، والنشوة التي يمنحها لهم اقتحام الخطر والتغلب على الصعاب. وبالنظر للخطر الرابض أمامهم ومن حولهم، فتُرهف حواسهم، ويزداد تقديرهم للحياة التي يرتبطون بها بخيط رفيع. وكل واحد منا يستطيع أن يختار بين السكنى في الوديان المنخفضة، بما فيها من ضباب غير صحّي لا لشيء، إلاّ لأنها تمنحه نوعا من السلامة، وبين سكنى الجبال العالية بما فيها من مخاطر، من أجل استنشاق الهواء الطلق، وتأمّل المناظر البعيدة، واستقبال الشمس المشرقة “. انتهى الاقتباس.
* * *
التعليق : ألا ينطبق هذا الكلام البليغ لجواهرلال نهرو، بعد 87 عاما على أوضاعنا الحالية ؟ ألم نزل نشاهد بعض المسئولين، يخشون القيام بأعمالهم، واتخاذ قرارات سليمة وجريئة ؟ ألا تبدو البلاد في هذه الأيام وكأنها سجن كبير، بفعل قانون الجرائم الإلكترونية مكمم الأفواه ؟ أسئلة مطروحة . . ويعرف إجاباتها أي قارئ نبيه . . !
التاريخ : 20 / 5 / 2020