يقول الخبر أنه بينما كان الأب ينظف سيارته الجديدة أخذ إبنه البالغ من العمر سنتين مسماراً وأحدث به خدشاً في جانب السيارة، قام الأب عندها وبغضب شديد بضرب يد إبنه من دون أن يشعر بأنه كان يضربها بمقبض المطرقة، ثم إنتبه ولكن متأخراً لما حصل فأسرع بابنه للمستشفى، إلا أنه كان قد فات الأوان وفقد الإبن إصبعه بسبب الكسور التي تعرض لها، وفي المستشفى عندما فتح الإبن عيناه سأل الولد أباه: ترى متى سينبت أصبعي من جديد يا أبي؟
نزل السؤال كالصاعقة على الأب، وخرج متوجهاً إلى سيارته وضربها عدة مرات ثم جلس أمامها والندم يأكله على ماحدث لإبنه، ثم نظر إلى المكان الذي خدشه إبنه في السياره فوجد مكتوباً فيه “أحبك يا بابا” !!
وفي اليوم التالي وجد الأب منتحراً بعد أن فقد القدرة على تحمل ما جرى !!
إلى هنا إنتهت سطور الحكاية، ولكن ركزوا معنا لحظة من فضلكم، ترى هل سمعتم من قبل بأحد ينظف سيارته ومعه مطرقة، ثم كيف لولد في عمر السنتين أن يكتب أحبك يا بابا على سيارة والده، وهل يمكن أن يتكلم في هذا العمر ويسأل والده متى سينبت لي إصبع من جديد !!
وهنا مثال لحكاية رسمت كل تفاصيلها من نسج الخيال ليس لأي منها علاقة بالواقع، وقد مررنا بها من قبل واقعين في الفخ لولا أننا أكملنا السطور لنهايتها فعرفنا الحقيقة الكاملة، وهو ما يعكس حقيقة صياغة ونشر وتداول الكثير من الأخبار في هذه الأيام للأسف، فتجد البعض لا يقرأ أكثر من العنوان أو أول السطور على أقصى حد ثم يبدأ مباشرة بنشر الخبر يميناً ويساراً لكل من عرف أو لم يعرف بدون أي تدقيق أو بذل جهد في التوثق من المعلومات.
وقد إخترنا كتابة هذه السطور ليقيننا التام بأن هناك من سيقرأها بعاطفته دون عقله، وربما سيقع في الفخ كما وقعنا فيه حتى من الزميلات والزملاء الاعلاميين قبل أن يتدارك البعض أنفسهم ويقرأ السطور لنهايتها، وننتهز هذه السطور لنوصي أنفسنا وكل من يعمل أو يتعامل أو حتى يتناقل الأخبار الاعلامية أن يحرص على ما ينقل ويتروى كثيراً قبل أن ينقل خبراً أو ينشره أو يكتبه، فكم من خبر لم يلق له صاحبه بالاً أحدث الويلات بسببه، فتصور لو أن أحدهم صاغ خبراً عن القائد البطل بزيادة حرف واحد فقط فوضع حرف الألف بعد باء البطل كيف سيخرج المعنى، أو كان يكتب خبراً عن أفراد الشعب الكبار فأبدل حرفاً واحداً فقط بدون قصد فوضع حرف الحاء مكان كاف الكبار كيف ستكون ردود الفعل على مثل هذا الخبر.
ولذلك كان علينا دائماً أن نضع بين أعيننا مخافة الله عزوجل قبل كتابة أي حرف وتذكير أنفسنا أن حرفاً واحداً قادر على قلب بلداناً بأكملها تماماً كما هو قادر على قلب المعنى برمته، وبالضبط كما يمكن لموقف واحد أن يقلب الاحساس بأكمله في حياة الانسان، فلنجعل الروية والتمهل والتوثق قدر الامكان وأخذ النفس العميق خطوات هامة لنا قبل نشر أي معلومة خصوصاً في زمن أصبح نشرها لا يكلف أكثر من ضغطة زر واحدة.
م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران