صراحة نيوز- بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
الزَمَنْ هو ، هو ، لا فَرْقَ بين سَاعاتِهِ ، وأيَامِهِ ، وأعْوامِهِ ، الأحداث هي المُتغيرة ، لأن الإنسان هو من يَصْنَعُها ، ويُحْدِثُها ، ويرتقي او ينحدر بها . نقول وبشكلٍ تلقائي ، بإندفاعِ البسطاء الطيبين ، ان أيام زمان أحسَن ، وأبرَك ، وأجمَل ، وأطيَب .. الخ ، والصحيح ان الوصف ليس للأيام ، وإنما للناس الذين عاشوا ذاك الزمان .
أذكر ، أيام خمسينات ، وستينات ، وسبعينات القرن الماضي ، كيف كانت الحياة ، وكيف كان تعامل الناس ، وكيف كانت المصداقية ، والصدق ، والأمانة عالية جداً ، وهي الطابع العام للناس ، أصالة في القيم ، وصِدق في التعامل ، ووفاء للوعود ، والتزام بالعهود ، والكرم والجود كان منتشراً ويسود . كان المُعلِمون وجهاء وقادة مُجتمع ، وكانوا يَفنُون اعمارهم ، ويُرهِقون اعصابهم ، ويُجهدون طُلابهم للتميز والإبداع . كانوا يرهقوننا في الواجبات المدرسية ، وتكرار نَسْخْ النصوص العربية والإنجليزية ، والطلبة رغم ضَجَرِهِم ، وإنزعاجِهم إلا انهم كانوا يَستجيبون ويَلتزمون ، عند الطلبة القدامى تجد ان الإصبعين الشاهد والأوسط شكلهما غير طبيعي ، فيهما تجويف من كثرة مسك القلم والكتابة والنسخ . لا عُذر لك ان تتخلف عن اداء واجباتك البيتية ، اذكر وانا في الصف الثالث الابتدائي عانيت من دُملٍ في الإصبع الشاهد في اليد اليمنى ، ولم يعفني ذلك من القيام بالواجبات المدرسية في البيت ، فأُجبِرتُ على محاولة الكتابة باليسرى ، ومن يومها وانا استخدم يديّ الإثنتين . كان الحصول على العلامة كخلع السِنّْ ، ليس من السهولة الحصول عليها ، كأنك تحفر في الصخر . أذكر ان معدل الطالب الذي حصل على المرتبة الأولى على المملكة كلها في التوجيهي الادبي عام ١٩٧١ ، بحدود ( ٨٤ ٪ ) وهو من زملائي في مدرسة الكرك وإسمه / سامي المدانات .
الآن ، أرى ان كل شيء أصبح رخيصاً ، فعلامات التوجيهي كزبد البحر ، سهلة ، رخيصة ، ليس لها قيمة رغم إرتفاعها الجنوني الذي لا يُصدَّق ، كيف ل ( ٧٨ ) طالباً ان يحصلوا على معدل كامل تام ( ١٠٠٪ ) ، و ( ٤,٧٠٠ ) حصلوا على معدل (٩٧٪ ) فما فوق ، و ( ٢٣,٠٠٠ ) طالب حصلوا على معدل (٩٠٪ ) فما فوق ، كيف !؟ ولماذا !؟ اذا كان التقييم العلمي العقلاني لِمُدَرِّسي المواد بانه لا يمكن ان تزيد درجة تَمَكُّنْ مدرس المادة عن ( ٩٠٪ ) ، فكيف لطلاب بهذا العدد الكبير جداً ان يَبُزوا أساتذتهم !!؟؟ طبعاً هذا ليس كلامي ولا رأيي ولا تقييمي الشخصي ، هذا رأي وتقييم علماء طرق التدريس ( Methodology ).
نعم كل شيء أصبح رخيصاً لا قيمة ولا اعتبار ولا وزن له ، فكرامة الإنسان ضاعت ، وقيمه إنحلّت ، وأخلاقُهُ تغيرت ، ومفاهيمه لدينه إنحرفت ، وقيمة العِملة إنخفضت ، ولا إرتفاع إلاّ في الأسعار ، والنهب والنصب ، والإحتيال والكذب والدجل ، والإخلال بالوعود ، عندما تتلمس كلام الرجل تجده كما الزئبق ، تكون متأكداً انك أمسكته في قبضتك حتى درجة الخنق ، فتجد ان يدك خالية الوفاض .
لقد تَغيرنا كثيراً ، نعم ، نحن الذين تَغيرنا وليس الزمن ، تغيرنا ، وإنحدرنا ، وأسففنا أكثر ، وانحللنا أكثر مما يمكن استيعابه ، وانحرفنا اكثر مما ينبغي . عشرات الوف طلبة التوجيهي الذين حصلوا على معدلات تزيد عن ( ٩٠٪ ) كيف يمكن إقناعهم بانهم بشر ، وان هناك حدوداً لإستيعابهم وقدراتهم ، وانه لا يمكنهم الحصول على التخصص الذي يريدون !؟ خَلقنا مواطنين شباب مُشوهي التفكير ، يكتنف سلوكياتهم الغرور ، وهذا سينعكس على المجتمع المتخلخلة قيمه أصلاً بمزيد من التشوهات المجتمعية .
ضياع الوطن مستمر ، وإنهيار المواطن يزداد ، والأمراض والعِلل النفسية المجتمعية في إضطراد . ولا إنتماء ، ولا حياء عند الناس من الناس ، ولا من رب العباد ، ولا صفاء في الأنفس ، ولا وفاء في التعامل ، أصبح الفاسد سيداً ، والشريف غريباً منبوذاً ، والمستقيم مُتخلفاً . كل شيء في وطني أصبح رخيصاً من العلامة الى الكرامة ، نعم لقد رَخِصَتْ العلامة كما الكرامة . وغَمْزَةُ المسؤول التربوي الأول على التلفاز خير دليل على صعوبة فك الألغاز :-
(( ما بين ( غمزة !؟ ) عينٍ وإنتباهتِها ، يُبَدِّلُ اللهُ من حَالٍ الى حَالي )).