ضَعْفُ القُوةِ .. وقُوةُ الضَعْفْ

23 مارس 2020
ضَعْفُ القُوةِ .. وقُوةُ الضَعْفْ

صراحة نيوز- بقلم عوض ضيف الله الملاحمه

كان العالم يرتعب من قعقعة السلاح ، عندما يحصل توتر بين دولتين ، فترى البوارج العملاقة ، التي تشبة المعسكرات الضخمة سابحة تجوب البحار والمحيطات ، برغم ثقلها ، وحجمها ، وتسليحها ، وترى الأجواء محكومة بأضخم ، وأحدث الطائرات ، والصواريخ القاتلة المدمرة التي تقطع مئات الكيلومترات موجَهة وماضية تسلك طرقها لأهدافها غير عابئة بشيء الا الوصول للهدف وتدميره شر تدمير ونسفه وتناثر حطامه لدرجة محوه وإخفائه عن وجه البسيطة ، والمَدافع التي تدك الارض دكاً ، ولا تبقي ولا تذر ، والطائرات المسيرة( Drones ) التي تحمل بين جنبيها كل ما يُدمر ويَقتل ، تسير وكأنها وحش مفترس قاتل يعرف هدفه جيداً ولا يحيد عنه .. وغيرها من صنوف الأسلحة التي هدفها والغاية من تصنيعها الدمار والقتل والتخريب والتلويث .

ويُطل على البشرية الرؤساء ، والقادة ، يُرهِبوننا ويُرعِبوننا ، فننصت ، ونصمت ، ونرتعب ، ولا نَنبِس ببنت شفة ، وتجف حلوقنا ، وتنعقد ألسنتنا ونحن نرقب التهديد والوعيد وهم يُرعدون ، ويُزبدون ، ويتبجحون بكل الألفاظ الفجة تهديداً للطرف المستهدَف ، وبين الكاميرات التي تجول وتجوب الآفاق لإظهار صور الغطرسة ، والإجرام ، والقتل ، ونَتسمّْر في أماكننا وعيوننا جاحظة ، وألسنتنا منعقدة ، وقلوبنا تكاد تخرج من حناجرنا خوفاً ورعباً . ويخرج علينا رئيس أفتك وأعنف دولة في العالم ويعلن عن خططه التصعيدية ، فيعلن العقوبات والمقاطعة والحصار ، ويضرب ضربات هنا وضربات هناك كمؤشر على الاستعدادات ، والجاهزية للقتل والفتك ، ومع كل كلمة عنجهية نُبَسْمِلُ ، ونُحَوّقِلُ ، وإذا ساعدتنا حناجرنا على النطق ، ندعو ، ونتوسل للعلي القدير ، خالق الكون ، ومُسيّرة بان يجنبنا الحروب ، ليس في بلداننا فقط ، بل في العالم أجمع ، لان الحروب يعم ضررها مهما بَعُدت .

ويحدث ، ما لم يصدقه العقل ، ويتنافى مع المنطق ، فيأتي قاتل خطير ، تحدى ، وتخطى ولم يعترف ، ولم يحترم حدود الأوطان ، وتجاوز كل الخصوصيات والثقافات ، والمعتقدات ، والعادات ، ولم يميز بين وزير وغفير ، وبين صغير وكبير ، وبين غني وفقير ، فهدد وتحدى العالم بأجمعه ، انه ليس اكثر من فايروس ، سُمي بفيروس كورونا ، قاتل جبار مجهول ، متناهي الصِغر ، لا يُرى بالعين المجردة ، ولا بأكثر المجاهر تطوراً ، الا بعد ان يتم تكبيره لمئات او ربما آلاف المرات ، وهو ليس كائن حيّ ، ولا يمكنه العيش الا باقتحام خلية بشرية ليتكاثر بشكل مرعب وينتج ( ٥,٠٠٠ ) فايروس في اليوم الواحد . نجح هذا المخلوق متناهي الصِغر بحجمه في نشر الرعب في دول العالم كافة ، وحدث ما لم يحدث منذ بدء الخليقة ، فتتهاوى غطرسة الأسلحة الفتاكة ، ويضمحل جبروتها ، وتنتهي قوتها ، ويُهمّش دورها ، ويُرعب الجنود المدربون ، الذين يحترفون القتل ، ويتفننون بالإيذاء ، فيصيبهم ، ويقتلهم وهم يعتلون اكثر الأسلحة فتكاً وقتلاً وتدميراً . ويُخرس القادة ، وتُلجم ألسنتهم ، وتتلعثم كلماتهم ، ويرتجفون خوفاً ورعباً ، وتصفرّ وجوههم ، وتنتفش تسريحاتهم ، وتلمع رؤوس الصلعان منهم ، ويتصببون عرقاً ، ويخافون من مصافحة حتى أعزائهم ، ويتحدثون وهم مرعوبون كانهم في أسر ويتوسلون ممن أسرهم ، ويُشل العالم بأجمعه ، فتغلق الدول حدودها نهائيًا ، وتنعزل عن العالم ، وتنكفيء كل دولة على نفسها ، وتتوقف حركة وسائط النقل بكل أنواعها ، ويُفرض منع التجوال ، وتأوي الناس الى بيوتها ، ولا يَخرجون منها ، ويصيب الحياة الشلل التام على وجه الكرة الأرضية عامة ودون اي استثناء .

فُحيدت الأسلحة ، وأُضعف القادة ، وارتجف العالم برعب غير مسبوق ، ممن !!؟؟ من فايروس لا يُرى ، هذا القاتل الذي يفتك بصمت ، ويتغلغل بالجسم البشري وينتشر ويتسيد ، ويشل حياة الإنسان والأوطان . هذا الكائن المتناهي الصغر أثبت قوته رغم ضعفه ، وكشف ضعف العالم رغم جبروته وقوته .

إنه آية من آيات الله العظيم الخبير . ان يبدل القوة ضعفاً ، والضعف قوة ، بما لا يُرى . هذا دليل أكيد ، قاطع ، قوي ، على سُخف ، وضعف العالم . ونسينا ان خالق الكون هو الأعظم من كل الكون المخلوق
فليخرس الإنسان ، لان القوة هي قوة الأديان ، قوة المعتقد ، قوة الأديان السماوية الموحِدة بالله رباً ، وبالأنبياء رُسُلاً ومبشِرين .

فلا تأنسوا ، ولا تأمنوا ولا تركنوا الى ، ولا على ، جحافل جيوش العالم المرعبة المدججة بأعتى وافتك الأسلحة التي اندحرت وانكسرت لا بل وأختبأ جنودها مرعوبون مذعورون مثل الفئران . حتى من يعتبر نفسه زعيم العالم المتغطرس ألمنفلت عقاله القيمي والأخلاقي يبدو كالديك الرومي المرعوب ، وجهه مصفر ، مرعوب ، تشعر وكأنه فأر يقابل ثور ، بائس لا يقوى على شيء .

أجزم ان هذا ليس اخر الزمان كما يقال ، انه بداية زمان لا نعرف كُنهه ، ولا يمكن وصفه او التنبؤ به ،
وارى انه من المستحيل ان يكون العالم ما بعد كورونا كما كان قبلها على مستوى الدول والجماعات وحتى الافراد . ونحن في عالمنا المتخلف ما زلنا نستمرأ التخلف والتحجر العقلي وقمع الدولة ، والشعوب ما زالت ترنو الى اليوم الذي يمكنها فيه التعبير بحرية ، والعيش بكرامة .

لن يعود العالم لما قبل كورونا ، وعلى الدول ان تغير أولوياتها واهتماماتها وتغيير مفهوم اعدائها وتعديل استراتيجياتها وتحالفاتها وتكتلاتها كافة سواء العسكرية او الصحية والطبية او الجيوسياسة ، والدليل على ذلك رفض دول الاتحاد الأوروبي تصدير المعدات الطبية الخاصة بمعالجة الفايروس الى بعض دول الاتحاد ومنعها تصدير تلك المعدات حتى لدول الاتحاد الأوروبي غير المنتجة لها ، بينما الصين استعدت لتزويد تلك الدول بتلك المعدات ، مع ان الدول الصناعية الكبرى من الاتحاد الأوروبي كانت تضغط على دول الاتحاد الأخرى بعدم الاستيراد من الصين .

من متابعاتي لاحظت ان أُناساً ربطوا بين مرض كورونا ودين الإسلام العظيم بطرق مختلفة تأرجحت بين الجهل وبين التقوّل على الإسلام ، وتألمت كثيراً لتجرأ بالبعض الى درجة تصل حد الإساءة أحياناً والتقزيم احيانا أخرى .

وأختم بأربعة جُمل : فايروس كورونا غيّر مفاهيم القوة ، حيث حوّل الضعف قوة والقوة ضعفاً . وان العالم بعد كورونا لن يكون كما كان قبله . وان هذا ليس آخر الزمان ، بل انه بداية لزمان لا ندرك كنهه . وختامًا ، على الدول ان تغير كل استراتيجياتها .

الاخبار العاجلة