صراحة نيوز – بقلم جميل النمري
من سنوات عديدة لم نعمل شجرة ميلاد في البيت، كبر الأولاد ولم يعد هناك من نعمل من اجله الشجرة ولم نعد نقضي فترة العيد في البيت اصلا بل غالبا عند الأهل والأقارب في الحصن والمفرق. ثم كان هناك كل عام مبرر ما بين وفاة قريب أو سفر لبعيد. هذه المرة سنبقى في البيت ونستقبل الأبناء العائدين من بعيد ونعمل الشجرة لاستعادة الذكريات القديمة معهم. لهذه الغاية عدنا الى المستودع أخرجنا الشجرة المفككة ومواد الزينة من الكراتين المركونة من سنين. زينة على الطريقة القديمة، شجرة مزركشة بمختلف الألوان والأضواء ربما ما عدا القطن (كناية عن الثلج) الذي كان يستخدم ايام طفولتنا نحن ولم يعد موضة ايام طفولة الأبناء، وليس جزءا من ذاكرتهم التي لم تلحق طبعا بالشجرة التي كانت فعلا شجرة صغيرة مقطوعة من الحرش أو غصن كبير من شجرة صنوبر اقتطع خلسة قبل أن يتحسن الوعي البيئي وتظهر الشجرة الصناعية بأحجام مختلفة.
لا أحب ما انتهى اليه تزيين الشجرة هذه الأيام، حيث اختفت العفوية واللمسة الشخصية حين كان الابناء يتسابقون لإعطائك قطعا شتى لتعليقها تجمعت خلال الأعوام من مشتريات من البازارات والمحلات. الآن لا يعاد استخدام شيء لأن الشجرة يجب ان تمشي مع موضة السنة في اللون والاشكال فإما ذهبيا بالكامل أو احمر أو أبيض أو تركوازيا الخ وثيمة اللون تترافق مع اشكال محددة للزينة تغطي كامل الشجرة حتى انه لم يعد ضروريا ان تكون شجرة بأغصان واوراق خضراء، بل هيكل مغطى بالكامل بالزينة وهي قطع كبيرة محددة بدقة. طبعا هي الاستهلاكية التجارية التي تطغى في كل شيء. ولم تعد العائلة “تنعجق” كلها في هذا الجهد اذ اصبح هناك متخصصون يتم استئجارهم للعمل يحضرون مع كل الزينة ويقومون بتركيب كل شيء خلال ساعة، ونحن تقريبا على الطريق ان تصبح الشجرة “ديسبوزبل” تأتي جاهزة للاستخدام لمرة واحدة وتكون خارج الموضة للعام التالي.
الى جانب الأسباب التجارية لانتشار شجرة وزينة الميلاد في المولات والأسواق هناك اسباب سياسية – ثقافية لتبني عدة بلديات اقامة شجرة ميلاد في مكان عام كدليل على الانفتاح والتعايش والتضامن لكن أخشى ان بعض الافتعال الزائد يكون اثره معاكسا. والمشاركة المتبادلة في الاحتفالات كان أمرا طبيعيا نشأ عليه الناس في البلدات المختلطة تاريخيا بين المسيحيين والمسلمين ومن المناسب الحفاظ على مستوى طبيعي من اشكال المشاركة ومنها قيام الرسميين بمعايدة ممثلي الطوائف المسيحية لكن لا حاجة لأعمال تظاهرية زائدة في هذه المرحلة على الأقل مثل عمل شجرة ميلاد ضخمة بقرار من البلدية كما في الزرقاء، وهي قد تسببت بإحراج المسؤولين اذ قام الأولاد بتسلقها وتخاطف طابات الزينة عليها، بينما استجلبت ردود فعل وتعليقات ضيقة الأفق من مسيحيين رأت فيها تعديا وعقلية داعشية وهي في الحقيقة لم تكن اكثر من عبث اولاد. وربما افضل التركيز على المواجهة الثقافية الأعمق مع العقلية الداعشية التي ما تزال – ولو بنسب أكثر انخفاضا – تطل برأسها في هذه المناسبات للترويج للتعصب والكراهية بفتاوى عدم جواز معايدة المسيحيين أومشاركتهم احتفالهم. لكن ثمة مبادرات اخرى تبدو في سياق منطقي معقول تماما مثلا احتفال بلدية ام الجمال بإقامة شجرة الميلاد في المكان التاريخي لبقايا كنائس ذات قيمة دينية سياحية واثرية عظيمة في هذه البلدة التاريخية المذهلة التي يتوجب دعم جهود رئيسها المميز لوضعها على الخريطة السياحية – الثقافية العالمية.