صراحة نيوز –شرم الشيخ
قال الأمين العام لمنتدى الفكر العربي ووزير المالية الأردني الأسبق د. محمد أبوحمور عضو مجلس أمناء تحالف مراكز البحوث العربية : إن الثورة الصناعية الرابعة التي تجتاح مجالات واسعة من حياة الإنسان المعاصر، ستشكل مستقبله وتوجد قيماً جديدة لحياته المستقبلية، وبتسارعٍ يفوق في سرعته الزمنية وطبيعة التغييرات التي تحدث ما جاءت به جميع الثورات الصناعية السابقة خلال العصور الحديثة، منذ اختراع الآلة البخارية في أواخر القرن الثامن عشر؛ مشيراً إلى تزايد الاعتماد على أنظمة الإنتاج الإلكتروني التي تربط بين الإنتاج المادي والافتراضي، أو بين تكنولوجيا المعلومات والآلات والإنسان بهدف تحقيق الكفاءة في استخدام الموارد بحسب ما يؤكده الخبراء.
جاء ذلك في مداخلته وكلمته لجلسة بعنوان “الثورة الصناعية الرابعة، مسيرة تشكيل مستقبل عالمي مشترك”، ضمن ندوة “مستقبل التعليم والبحث العلمي في العالم العربي” – النسخة الثامنة من ندوة تحالف عاصفة الفكر، التي نظمها مركز عيسى الثقافي بالبحرين في مدينة شرم الشيخ المصرية يومي 23-24/4/2019، وشارك فيها نخبة من الخبراء والأكاديميين والباحثين العرب، وافتتحها الشيخ د. خالد بن خليفة آل خليفة نائب رئيس مجلس الأمناء المدير التنفيذي لمركز عيسى الثقافي، رئيس مجلس أمناء مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، بمشاركة د. طارق شوقي وزير التربية والتعليم في مصر، واللواء خالد فودة محافظ جنوب سيناء.
وأكد د. أبوحمور أهمية الترابط بين القواعد التكنولوجية لدعم تطوير النظم التعليمية، مما يوفر لمخرجات هذه النظم تحقيق الأهداف التي توجه عمليات التعلم، وتوفير البيئة العملية لاكتساب مهارات التعامل مع التكنولوجيات الحديثة في حقول الإنتاج المختلفة، وبما يوافق متطلبات الثورة الصناعية الرابعة نحو ثقافة الريادية والابتكار والإبداع، والأساليب الجديدة في ممارسات التجارة والأعمال والإدارة والصناعات؛ مشيراً إلى أن المنتدى الاقتصادي العالمي أوضح أن أكثر من ثلث المهارات المهمة الموجودة لدى القوى العاملة اليوم ستتغيّر بحلول العام 2030، مما يعني تطوير وتعزيز المناهج متعددة الاختصاصات، وتطوير التفكير النقدي لدى الطلاب، ووجود بيئة تعلّم تشاركية وتفاعلية، وتمكين الطلاب من القيام بمسؤولية التعلّم، وبما يشكّل “المواطنة المهنية” في المستقبل.
وأضاف د. أبوحمور أن محور التعليم وآفاقه المستقبلية في ضوء التغيرات التكنولوجية المتسارعة كان موضوع أعمال القمة العالمية للحكومات هذا العام 2019، وجاء على خلفية الاتجاهات المستقبلية لدور التعليم في تحقيق التنمية المستدامة، وبناء عالم أفضل للإنسان، ودور الثورة الصناعية الرابعة في سدّ ثغرة الكفاءة والمهارة بين المناهج ومتطلبات أسواق العمل، وتعزيز الشراكة بين القطاعين الخاص والعام لتطوير المناهج في هذا الاتجاه أيضاً، مع التركيز على المهارات القيادية لاستكمال عملية التحول الرقمي في التعليم، وتطوير إمكانات الفرد ومهاراته لصالح فرصه القادمة في المستقبل.
وقال د. أبوحمور: إن التغيّرات التكنولوجية تطلق أنشطة اقتصادية جديدة توفر العمل في مقابل إلغاء وظائف نتيجة الأتمتة، من خلال التكامل بين التكنولوجيا الجديدة والعمالة، والحاجة إلى العمالة الإنتاجية، وما يؤدي إليه الابتكار التكنولوجي من تطوير منتجات جديدة، وارتفاع في الرواتب والدخل والقدرة الشرائية، وانخفاض الأسعار، والمنافسة، وزيادة الطلب على الأنشطة والخدمات والصناعات الترفيهية والسياحة والموسيقى والفنون والأعمال اليدوية، وذلك بسبب انخفاض ساعات العمل نتيجة تكنولوجيات توفير اليد العاملة، وهو ما أكدته منظمة العمل الدولية في دراسة لها في هذا الصدد.
كما أشار د. أبوحمور إلى أن “الميثاق الاقتصادي العربي”، الذي أطلقه منتدى الفكر العربي عام 2015، أوضح أن التوسّع الكمي في التعليم الأساسي والجامعي أدّى إلى التراجع في نوعية التعليم، وبالتالي انخفاض المردود الاقتصادي والاجتماعي للكتلة المتعلمة، والتأثير على تأهيل المعلمين والأساتذة بشكل سلبي، عدا مشكلة العزوف عن التأهيل المهني والتكنولوجي لدى الشباب، وبصورة عامة أخذت تبرز بشكل حادّ مشكلة قصور المؤسسات التعليمية عن أن تكون جزءاً من البنية الداعمة للاقتصاد، وأدى سوء تقسيم العمل وقصور توفير القوى العاملة المؤهلة والمتخصصة، والفجوة الواسعة بين الأكاديميا والقطاعات الاقتصادية الاجتماعية، وتضاؤل الإنفاق على البحث العلمي، وخصوصاً البحث التطبيقي، إلى اتساع الفجوة بين التعليم والتدريب والتأهيل والبحث العلمي، وبالتالي أفرزت هذه الإشكالية أوضاعاً غير مستقرة في الأمن الإنساني ازدات حدتها مع نشوب الاضطرابات السياسية والنزاعات المسلحة والحروب، وأهمها الفقر والبطالة وفقدان الأمن الإنساني، وهو ما يتطلب استراتيجيات شاملة لإصلاح التعليم بمختلف مراحله وتطويره.
وأضاف د. أبوحمور، مشيراً إلى التباينات في بعض التصنيفات الدولية لجودة التعليم في البلدان العربية، إلى أن بعض الدول التي تعرضت لنزاعات مسلحة أو لظروف أخرى قد خرجت من هذه التصنيفات، وهناك بحسب منتدى دافوس 13,4 مليون طفل في الدول العربية لم يتلقوا تعليماً في المدارس، وهؤلاء نسبتهم 40% من عدد الأطفال في سن الدراسة والبالغ بمجمله 34 مليوناً، مما يدعو إلى اعتماد نهج جديد للتنمية المستدامة يقوم على التنويع الاقتصادي في ضوء تحديات اقتصادية وديمغرافية جراء الهجرة والنزوح واستنزاف الموارد الطبيعية.
وقال د. أبوحمور: من الأهمية بمكان إيجاد بيئات منتجة للبحث العلمي العربي، وضرورة رفع الإنفاق على البحث العلمي بمستوى يصل إلى 2% مع حلول عام 2030، ودعم برامج رعاية الإبداع والابتكار والريادية، وإزالة المعوقات الإدارية أمام إنتاجية الجامعات والمؤسسات الأكاديمية والبحثية، وإصلاح منظومات التعليم وتهيئتها لدخول الثورة الصناعية الرابعة بخطوات ثابتة وعلى أسس تكفل التقدم للبلدان العربية وشعوبها؛ داعياً إلى صيغة جديدة لعمل عربي مؤسسي مشترك بين قطاعات التعليم والبحث العلمي والدراسات والقطاعات الاقتصادية والمالية والاستثمارية والشركات التكنولوجية، يدفع باتجاه التنمية الاقتصادية الرقمية، وإيجاد الخطط الملائمة لتكوين نواة اقتصادية عربية متكاملة لتوزيع الطاقات والقدرات البشرية والمادية واستثمارها بالصورة الأفضل في الوطن العربي، كجزء مما دعا إليه “الميثاق الاقتصادي العربي” لبناء كتلة اقتصادية عربية قادرة على المنافسة في عصر التكتلات الاقتصادية العالمية.