صراحة نيوز – بقلم المحامي راجح ابو عصب
ما زالت ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب ممعنة في عدائها للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية وحقوقه المشروعة فلا يمر اسبوع دون ان تتخذ قرارات او تتبنى مواقف ضد الحقوق المشروعة وضد عملية السلام في المنطقة وكل هذه القرارات وتلك القرارات انما تنسجم مع مواقف اليمين الاسرائيلي للتطرف الذي يرفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في اقامة دولته المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة بعاصمتها القدس الشرقية وذلك ضمن حدود الرابع من حزيران من عام 1967 .
واخر تلك القرارا.ت الاميركية المعادية للشعب الفلسطيني والمتجاهلة لحقوقه المشروعة قيام وزارة الخارجية الاميركية بشطب فلسطين من قائمة دول منطقة الشرق الاوسط وهذه الخطوة الاميركية كما قال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل ابو ردينة انما تأتي في اطار تساوق وانسجام مع افكار اليمين الاسرائيلي المتشدد وفي سياق انحدار غير مسبوق في السياسة الخارجية الاميركية .
والحقيقة ان قيام وزارة الخارجية الاميركية بشطب اسم فلسطين من دول هذه المنطقة انما هو كمن يغطي الشمس بغربال او كمن يريد اطفاء نور القمر في ليلة التمام بغمه من خلال النفخ عليه لحجب ذلك النور الساطع فاسم فلسطين خالد خلود التاريخ فهذا الاسم موجود منذ الاف السنين فقد وصل الكنعانيون اجداد الشعب الفلسطيني الى ارض فلسطين قادمين من الجزيرة العربية بين 3000 قبل الميلاد و2500 قبل الميلاد اي ان هذا الشعب الفلسطيني العريق موجود على هذه الارض المقدسة منذ اكثر من خمسة الاف عام ويقول المؤرخون وعلماء الاثار ان مدينة ا ريحا الفلسطينية هي اقدم مدن العالم على الاطلاق حيث يرجع تاريخها الى العصر الحجري ما قبل 10-11 الف سنة اي حوالي قبل الالف الثامن من الميلاد .
ورغم تعاقب كل الغزوات على فلسطين خلال ذلك التاريخ الطويل فان الشعب الفلسطيني ظل باقيا على ارضه وامتص كل تلك الغزوات وان تركت تلك الغزوات واولئك الغزاة اثارهم في فلسطين بدءا من الغزو الاغريقي عام 638 قبل الميلاد ومرورا بالغزو الروماني عام 63 قبل الميلاد حتى ظهور الاسلام وبدء سيطرة المسلمين على فلسطين بعد انتصارهم على الروم البزنطيين في معركة اجنادين عام 633 للميلاد واستلام الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب القدس من البطريرك صفونيوس وكتابته العهدة العمرية لاهل المدينة المقدسة والتي اعطى فيها الفاروق الامان لاهل المدينة على انفسهم واموالهم وكنائسهم وقد وصفت تلك العهدة العمرية كما وصف ذلك الفتح الاسلامي بانه فريد وغير مسبوق في تلك العصور حيث كان الغزاة الفاتحون يقومون بقتل سكان البلدان المفتوحة واحراقها والاستيلاء على كنوزهم واموالهم وسبي نسائهم .
وهذه الوثيقة او العهدة انما تبين سماحة الاسلام ورحمته وعدالته وانسانيته فهو قد جاء رحمة للعالمين كلهم وليس للمسلمين فقط . وحتى خلال الغزوات الصليبية فان الشعب الفلسطيني ظل صامدا في ارضه فلسطين رغم المجازر التي ارتكبها الغزاة الافرنجة خاصة ما ارتكبوه عندما استولى عل مدينة القدس حيث قاموا بتعذيب واحراق وذبح الالاف من الرجال والنساء والاطفال . وفي مذبحة استمرت عشرة ايام يرجح المؤرخون انها اودت بحياة مئة الف مقدسي احرقت الجثث وقطعت الاصابع وحول المسجد الاقصى الى اصطبل لخيول الغزاة الافرنجة ورغم كل تلك المذابح ظل الشعب الفلسطيني صامدا في ارضه حتى جاء الناصر صلاح الدين الايوبي وحرر القدس والمسجد الاقصى ومعظم الاراضي الفلسطينية من اولئك الغزاة الذين لم يعاملوهم كما عاملو شعب فلسطين بل عفا عنهم .
لا بد من هذه اللمحة التاريخية الموجزة عن ارض فلسطين وشعبها الفلسطيني ليعلم كل من يتجاهل اسم فلسطين وشعبها ان هذا الاسم محفور في اعماق التاريخ ولا يستطيع اي كان مهما اوتي من القوة والغطرسة والكبرياء ان يتجاهله او يشطبه كما ان هذا الشعب الفلسطيني العريق موجود على ارضه منذ الاف السنين لم يغادرها ابدا رغم كل المذابح والمجازر التي ارتكبها الغزاة على مر التاريخ .
اذن الشعب الفلسطيني ووطنه فلسطين ضاربا الجذور في اعماق التاريخ ولكن ماذا عن الولايات المتحدة التي شطبت وزارة خارجيتها اسمها من دول المنطقة ان تاريخ الولايات المتحدة بدأ منذ عام 1783 للميلاد بعد ما عرفت بحرب الاستقلال اي ان عمرها يزيد على مئات الاعوام بينما فلسطين وشعبها العريق يعود تاريخهما الى الاف الاعوام .
ان قيام الخارجية الاميركية بشطب اسم فلسطين انما يجيء في مسلسل من محاولات يائسة بائسة لشطب القضية الفلسطينية وشطب الشعب الفلسطيني في محاولة لتجاهل سعي الشعب الفلسطيني لانجاز حقوقه المشروعة ويأتي ذلك في اطار عدة خطوات اتخذتها ادارة ترامب بدءا من شطب حل الدولتين ومرورا بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل سفارتها اليها من تل ابيب ووقف كل المساعدات المالية لميزانية السلطة الفلسطينية ووقف تمويل وكالة الغوث الدولية الاونروا تمهيدا لاغلاقها وتصفية اعمالها وشطب اسم الضفة الغربية واطلاق الاسم التوراتي عليها يهودا والسامرة والاعتراف بشرعية الاستيطان في الاراضي افلسطينية والزعم بحق اسرائيل بضم اجزاء واسعة من الضفة الغربية خاصة منطقة ج .
ان كل هذه الخطوات تؤكد ان الادارة الاميركية الحالية منحازة تماما الى الجانب الاسرائيلي وهي كما يقول كثير من الاسرائيليين اكثر يمينية من اليمين الاسرائيلي وهي بذلك لم تعد وسيطا نزيها في عملية السلام بل اصبحت جزءا من المفاوض الاسرائيلي ومن هنا كان قرار الرئيس عباس وقف كل الاتصالات والعلاقات مع ادارة ترامب وفض تفرده بقيادة عملية السلام ودعوته الى تشكيل وفد يضم الدول الخمس الكبرى في مجلس الامن الدولي زائد المانيا على غرار مجموعة خمسة+واحد التي توصلت الى الاتفاق النووي مع ايران في عام 2015 .
وهذه المواقف الامريكيه ضد الشعب الفلسطيني وقضيته العادله وحقوقه المشروعه تعكس مضمون خطه القرن التي تقول اداره ترامب انها تسعى من خلالها الى انهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ولكنها في الحقيقه تسعى الى تصفيه القضيه الفلسطينيه ونسف عمليه السلام تماما فهي ليست صفقه القرن كما قال الرئيس عباس بل صفعه القرن لانها صفعه لعمليه
السلام وليست صفقه للسلام .
وفي هذا السياق اكد المجلس الوطني الفلسطيني في بيان اصدره يوم الاثنين الماضي ان قرار وزاره الخارجيه الامريكيه
حذف فلسطين واي اشاره للاراضي الفلسطينيه وللسلطه الفلسطينيه من قائمه الدول في موقع الخارجيه الامريكيه الالكتروني انما ياتي استمرارا لسياسه اداره ترامب العدوانيه تجاه حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتعرف في تقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية .
ولا شك ان الشعب الفلسطيني وقيادته لن يرضخا لهذه القرارات الاميركية بل سيوصلان سعيهما السلمي لانجاز الحقوق المشروعة رغم كل العراقيل الاميركية وهما في ذلك انما يتسلحان بقرارات الشرعية الدولية وقوانين حقوق الانسان التي تؤكد ان من حق كل شعب من شعوب هذا العالم ان تكون له دولته المستقلة القابلة للحياة المعترف بها دوليا وان يحكم نفسه بنفسه دون اي تدخل خارجي فهناك مئات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للامم المتحدة ومجلس الامن الدولي التي تؤكد هذه الحقوق المشروعة .
كما ان معظم دول العالم اعترفت بالدولة الفلسطينية وهناك اكثر من 130سفارة فلسطينية في عواصم مختلفة كما ان معظم قادة العالم يفتحون ابواب عواصمهم لاستقبال الرئيس محمود عباس ويدعونه الى المشاركة في الاجتماعات الدولية والاقليمية حيث يتحدث بكل صراحة وشفافية عن نزوع الشعب الفلسطيني الى السلام وعن رفضه العنف والارهاب بكل اشكاله وانه اختار السلام خيارا استراتيجيا وانه فقط يريد تطبيق قرارات الشرعية الدولية وشرعة حقوق الانسان التي تعطي الشعب الفلسطيني حقه في اقامة دولته المستقلة جنبا الى جانب دوله اسرائيل من اجل انهاء الصراع المستمر منذ عقود طويلة وتوجيه كل الجهود من اجل ازدهار شعوب هذه المنطقة وتعاونها لما فيه خير للجميع .
ولا شك ان فلسطين تحت قيادة الرئيس عباس حققت مكانة مرموقة بين دول العالم من خلال دبلوماسيتها النشطة المرتكزة على الخيار السلمي فهي اليوم تترأس مجموعة ال 77 والصين وهذه المجموعة تعد اكبر تكتل سياسي حيث تمثل ثلثي سكان العالم كما ان فلسطين عضو في اكثر من 150 منظمة دولية ولها اتفاقات ثنائية مع معظم دول العالم وهذه المنزلة السامية التي تمتع بها فلسطين في المستوى العالمي لن يستطيع قرار الخارجية الاميركية شطبها .
وازاء هذه المواقف الاميركية المعادية للشعب الفلسطيني والناسفة لعمليه السلام فان صفقة القرن او بالاحرى صفعة القرن التي يقول مع والا الاسرائيلي ان الرئيس ترامب قد يستعجل الاعلان عنها قبل انتخابات الكنيست الاسرائيلي في 17 ايلول القادم من اجل طموحاته الشخصية سعيا للفوز بولاية رئاسية ثانية في عام 2020 سيكون مصيرها الفشل المحتوم لانها ببساطة تتجاهل كل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتتبنى كافة مواقف اليمين الاسرائيلي المتطرف ولآن الشعب الفلسطيني وقيادته رفضا تماما التعامل مع هذه الصفقة كما ان الدول العربية وفي مقدمتها الاردن ومصر والسعودية اكدتا رفضها لهذه الصفقة وقالت انها لن تقبل التعامل مع ما يرفضه الشعب الفلسطيني وقيادته .
ان الطريق لتحقيق السلام العادل والشامل والدائم انما يكون بتطبيق كافة ما التزمت به اسرائيل في اتفاق اوسلو وكذلك تطبيق كافة قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية وتطبيق مبادرة السلام العربية لعام 2002 .
وسيظل الشعب الفلسطيني وقيادته ماضيين في طريقهما السلمي لاحقاق الحقوق المشروعة واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة رغم كل القرارت الاميركية ولن ييأسا وهما واثقان انهما سيحققان ذلك طال الزمان او قصر , والله الموفق .