صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
القراءة هي غذاء للفكر وتنوير للإنسان بالمعرفة والاطلاع، فبها ترتقي الشعوب في سلّم الحضارة والتقدم. وكلمة ” إقرأ ” العظيمة ذات الحروف الأربعة، هي أول كلمة أنزلها الله تعالى في القرآن الكريم، على سيدنا محمد ( ص ) في غار حراء، فكانت مفتاحا للعلم في زمن الجاهلية.
وقد وردت كلمة ” إقرأ ” في القرآن في ثلاثة مواضع، اثنان منها في سورة العلق : إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5( إلى آخر السورة . . . والثالث في سورة الإسراء : إقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴿١٤﴾.
ورغم هذا الأمر الإلهي الواضح بالقراءة والتعلم، وأكد على ذلك بقوله تعالى: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُون )َ. إلا أن شعوبنا العربية لا تقرأ ولا تبحث عن العلم والمعرفة، والاطلاع على مجريات هذا الكون الذي أحكم الخالق صنعه. أما شعوب العالم فقد اهتمت لاحقا بالقراءة والعلم، فعندما سؤل الفيلسوف والمفكر الفرنسي ” فولتير ” في القرن الثامن عشر، عمن سيقود العالم ؟ أجاب: ” القرّاء “. وأما الرئيس الأمريكي الثالث جيفرسون فقد قال: ” إن الذين يقرأون فقط هم الأحرار، ذلك لأن القراءة تطرد الجهل والخرافة، وهما من ألدّ أعداء الحرية “.
يقول حسن ياغي صاحب ” دار النشر للتنوير ” في مصر، أن دراسة نشرها في العقد الماضي المجلس الأعلى للثقافة في مصر، تبين أن معدل القراءة للفرد العربي هو ربع صفحة كتاب في العام. أما ” مؤسسة الفكر العربي ” فقد بينت أن معدل وقت القراءة للقارئ العربي هو 6 دقائق سنويا، مقابل 200 ساعة للفرد في أوروبا. كما توصلت اليونسكو إلى أن كل 80 قارئا عربيا يقرأون كتابا واحدا في السنة، بينما يقرأ الفرد الأوروبي 35 كتابا في السنة.
وللتدليل على صحة التقارير السابقة يقول حسن ياغي، أنه مر بتجربة نشر لثلاثة أنواع من الكتب : كتاب في العلوم، وآخر بالاقتصاد والفكر، وثالث برواية وتفصيلاتها كالآتي :
. 1كتاب في العلوم: نشر العالم الشهير ستيفن هوكينغ كتابا عنوانه ” تاريخ موجز للزمان “. وكان هذا العالم الفذ قد صرف الكثير من الوقت والجهد، ليكتب كتابا شعبيا موجها للجمهور، بحيث يمكنه فهم الاكتشافات الحديثة والمذهلة، حول الكون ونظرته إلى الزمان. تصدّر الكتاب بعد صدوره أرقام المبيعات لمدة 237 أسبوعا متواصلة. لكن هذا الكتاب لم يُبع في نسخته العربية سوى 1100 نسخة بعد مرور أكثر من عام على نشره.
2 . كتاب في الاقتصاد والفكر بعنوان ” رأس المال في القرن الحادي والعشرين “: أثار هذا الكتاب من الجدل ما لم يثره كتاب في مجال الاقتصاد منذ سنوات عديدة، وتُرجم إلى 31 لغة، وأثار جدلا في كل مكان. ودفعت ” دار التنوير للنشر ” مبلغا لم يسبق أن دفعه ناشر عربي لشراء حقوق كتاب بهذا الحجم. وكُتبت عنه مقالات كثيرة في صحف ومواقع عربية، وبيع منه ملايين النسخ. كما دعي المؤلف لإلقاء محاضرتين في القاهرة ومحاضرة في بيروت. ولكن لم يبع منه في نسخته العربية بعد مرور ستة أشهر على صدوره سوى 1000 نسخة.
3. كتاب لرواية عالمية بعنوان ” فتاة القطار “: تم اختيار رواية بيع منها أكثر من 15 مليون نسخة بالانجليزية، وسجلت أعلى رقم يحصل عليه مؤلف من حقوق لكتاب واحد في عامها الأول، حيث تحولت إلى فلم سينمائي. ولكن ما بيع منها بنسختها العربية في عامها الأول 2000نسخة. بينما بيع منها باللغة الهولندية وهي لغة لا يقرأها سوى الهولنديين فقط، أكثر من 70000 نسخة.
وهذا الحال في الابتعاد عن القراءة وزيادة المعرفة، ينطبق أيضا على الشعب الأردني وخاصة ضباط القوات المسلحة، إلا ما كان مفروضا عليهم لمصلحة العمل. فكم من مواطن أو من ضابط يحتفظ بمنزله بمكتبة متواضعة، تحوي تشكيلة من الكتب المتنوعة، يلجأ إليها ويبحر بين صفحات كتبها في ساعات فراغه لتطوير معلوماته ؟ وكم من جنرال متقاعد يملأ فراغه في الدواوين والمناسبات الاجتماعية، بدلا من القراءة أو كتابة مقالات، من مخزون فكره وتجاربه الطويلة، التي اكتسبها خلال خدمته الفعلية، يشارك بها في شؤون بلده المحلية والخارجية التي قدم لها الكثير، بدلا من لعب الورق والانكفاء على نفسه ينتظر ساعة الرحيل ؟
قبيل حرب حزيران 1967 أجرى الصحفي الهندي كارنجيا، مقابلة مع وزير الدفاع الإسرائيلي موشي دايان. فشرح له ديان أن إسرائيل ستدمر الطائرات العربية في مرابضها بضربة سريعة، ثم تصبح السماء ملكا لها وتحسم الحرب لصالحها. تساءل الصحفي باستغراب كيف تكشفون خططكم بهذه الطريقة ؟ فرد عليه ديان ببرود : ” لا عليك ، فالعرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وأن فهموا لا يطبقون “. وأضيف لهذه المعادلة من عندي : وإذا طبقوا فهم لا يتقنون “. وقد نشر الصحفي هذه المقابلة كاملة قبل حرب حرب 1967 في كتاب بعنوان ” خنجر إسرائيل “. وعندما وقعت الحرب، طبق الجيش الإسرائيلي ما ورد في المقابلة تماما، وكانت توقعاته صائبة. فلم يقرأ المقابلة أحد من العرب ولم يتم الاستعداد لها.
وتأكيدا لذلك فقد كتبت في السنوات الماضية العديد من المقالات، كان من بينها في الفترة الأخيرة أربع مقالات عسكرية على الأقل، تصب جميعها في مصلحة الوطن والقوات المسلحة، وتنعكس على توعية القادة والضباط فيما يتعلق بمهنتهم وهي كما يلي :
. 1 إنقاذ الطيارين من ساحة المعركة، بتاريخ 2015/1/7.
2. الجيوش التقليدية إلى أين ؟ بتاريخ 2017/ 7/1 .
3. الحرب الهجينة في العصر الحديث، بتاريخ 2017/7/8.
4. يحسبون أنهم يقتلون الجياد، بتاريخ 2017/11/13.
ومع هذا ذلك فلم أسمع من أي جنرال أو أي مؤسسة عسكرية أو حكومية، تعليقا على الموضوع إثراء أو تصحيحا لما ورد بها، من أجل فائدة القراء العسكريين على الأقل. وكأن ما أكتبته يخص جيش الكونغو ولا يخص جيشنا العربي. وهذا يؤشر بأبسط صورة عن حال المسؤولين بالقول : ” نحن أحطنا بالعلم من كافة أطرافه، ولا نرغب بسماع أية معلومات أو مشاركة من غيرنا . . اكتبوا كما تريدون . . ونحن نفعل كما نريد “.