صراحة نيوز – بقلم المحامي فارس مروان الحسين
مكتب مروان الحسين وأولاده للقانون.
الاشتراك في الضمان الاجتماعي يهدف لتوفير عيش كريم للمواطنين وخاصة من طبقة العمال وبغض النظر عن قيمة الراتب الذي يتقاضاه العامل، وبالنتيجة فإن توفيرالعيش الكريم للعمال ولعائلاتهم بعد مسيرة عطاء طويلة يجعل منفعة الاشتراك في الضمان الاجتماعي من أهم الميزات التي ينظر لها الباحثون عن العمل بعد قيمة الراتب الشهري، لإيمانهم بأهمية الاستقرار المالي والاقتصادي المستقبلي.
وجهات نظر مختلفة أثيرت في السنوات الأخيرة حول التعديلات على قانون الضمان الاجتماعي الحالي كانت تستهدف وتهاجم أصحاب الرواتب التقاعدية المرتفعة، وتقارنها مع معدل هذه الرواتب التقاعدية لغالبية المشتركين، وعلى الرغم بأن ما سيتم طرحه هنا لن يرضي فئة كبيرة من أفراد المجتمع، لكن ارتأيت أنه من واجبي تناول الموضوع في مقال خاص لتبيان وجهة النظر القانونية والفنية والتأمينية المتعلقة بتعويض نهاية الخدمة حسب قانون العمل وتحديد سقف للرواتب التقاعدية بمبلغ خمسة آلاف دينار وبعدها بثلاثة آلاف دينار حسب قانون الضمان الإجتماعي في آخر تعديل.
لا يعلم الجميع أن تعديل قانون الضمان الإجتماعي وتحديد سقف التقاعد بـ 3000 دينار كتقاعد مبكر بصرف النظر عن الراتب الذي يتقاضاه العامل وهو على رأس عمله الحق ضرراً مادياً وإجتماعياً كبير جدا بفئة لا يستهان بها من أبناء المجتمع والذين شغلوا مناصب قيادية عليا في المؤسسات الخاصة أو بعض المؤسسات الحكومية المتخصصة، الأمر الذي يستوجب على صاحب القرار رفع الظلم عنهم بأسرع وقت ووقف الضرر الذي وقع عليهم وبالنتيجة عدم معاقبتهم بسبب حصولهم على رواتب عالية والتي ما كانوا ليحصلوا عليها لولا وجود مؤهلات علمية وفنية لديهم دفعت أصحاب المؤسسات المالية لإستقطابهم وبالنتيجة دفع رواتب عالية لهم بسبب الحاجة لخبراتهم النادرة ولكفاءتهم والتي ساهمت بتقديم قيمة مضافة للمؤسسة وللعاملين فيها.
إن مرجعية العلاقة بين العامل وصاحب العمل هو قانون العمل الساري المفعول، والذي منح العامل عدد من المزايا من قبل صاحب العمل سواء أثناء سريان العقد أو بعد انتهاء خدمته والتي من بينها مكافأه نهايه الخدمه تتمثل بمنح العامل راتب شهر عن كل سنة خدمة تحتسب على قيمه آخر شهر تقاضاه إلا أنه وفي عام 1981 (م) صدر قانون الضمان الإجتماعي والذي تم بموجبه تأمين المسؤوليات القانونية الواجب دفعها للعامل من قبل صاحب العمل مقابل قسط تأمين (قيمه المبلغ الذي يدفع لمؤسسة الضمان الإجتماعي) والذي يساهم صاحب العمل بالقسم الأكبر منه بإعتبار أن هذا العمل يعتبر نوع من أنواع تأمينات المسؤولية المدنية على صاحب العمل الواجب دفعها للعامل بموجب القانون فقد كانت مسؤولية الضمان الإجتماعي مسؤولية (غير محددة القيمة) بمعنى أن مؤسسه الضمان الإجتماعي تلتزم بدفع الراتب التقاعدي للعامل مهما كان (وبما يتناسب مع حجم الأقساط المستوفاة خلال فترة عمله واشتراكه بالضمان)، وبعد ذلك تم تعديل قانون الضمان الاجتماعي لتصبح مؤسسة الضمان الاجتماعي تغطي جزء محدد من مسؤولية صاحب العمل والتي حددت بسقف ٣٠٠٠ دينار بعد التعديل وما زاد عن ذلك أن يعود إلى (أصل المسؤولية) والتي هي قانون العمل أصل العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل.
ولتوضيح ذلك، فلو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر نظام المسؤولية المدنية المترتبة على حوادث السير (التأمين الإلزامي) حيث تعتبر المسؤولية المدنية وفقاً لأحكام القانون المدني وتحديداً الفعل الضار هي الأساس للسائق ومالك المركبة، عدا أنه في حال وجود تأمين مسؤولية مدنية لهذا الضرر والمتعارف عليه بالتأمين الإلزامي وكانت مسؤولية شركة التأمين مسؤولية مطلقة (كما الحال في قانون الضمان الإجتماعي قبل تعديل 2010) فإن شركة التأمين تلتزم بتغطية كامل المسؤولية المدنية للمتسبب بالحادث بالغاً ما بلغت كما هو الحال في بعض دول العالم مثل أمريكا ودول أوروبا وعدد من دول العالم ومنها الامارات العربية المتحدة ولبنان على سبيل المثال لا الحصر، أما في حال كانت مسؤولية شركة التأمين مسؤولية محددة بمبلغ معين (كما الحال في قانون الضمان الإجتماعي بعد تعديل 2010) فإن شركة التأمين عندها تلتزم بتغطية جزء من المسؤولية المدنية للمتسبب بالحادث حسب حدود مسؤوليتها الواردة في وثيقة التأمين، وعلى أن يقوم الطرف المتسبب بالحادث بدفع الفرق في قيمة التعويض حسب أحكام القانون المدني (صاحب العمل حسب أحكام قانون العمل) كما هو الحال في عدد من الدول العربية ومنها الأردن وسوريا ومصر على سبيل المثال.
إن عدم العودة إلى قانون العمل وتطبيقه كمرجع قانوني بين الطرفين العامل وصاحب العمل فيما يتعلق بالفرق بين الراتب التقاعدي ومكافأة نهاية الخدمة قد ساهم في اثراء المؤسسات المالية على حساب العامل وساهم في تحقيق إيرادات مالية ليست بالقليلة لهذه المؤسسات على حساب حقوق العامل، وليس إفلاسها كما يشاع، فلو قامت هذه المؤسسات المالية بدفع حقوق العامل العمالية بموحب قانون العمل، فإنها وببساطة جداً سوف يكون ما تدفعه من حقوق بموجب قانون العمل أقل من الأقساط التي كان يتوجب دفعها كإشتراكات عن كامل قيمة الراتب الواجب دفعه للعامل حيث أن هذه المؤسسات المالية ومنذ تعديل قانون الضمان الاجتماعي قبل عشرة سنوات لا تقوم بدفع قسط مؤسسة الضمان الاجتماعي عن كامل القسط العام وعليه (((فرق قسط الضمان الاجتماعي))) عن كامل قيمة الراتب الأصلي الذي لم تدفعه المؤسسات المالية منذ أكثر من عشرة سنوات الذي انعكس كأرباح واضحة في الميزانيات والبيانات المالية لهذه المؤسسات على حساب حقوق العامل بمعنى أن الخاسر الأكبر من هذا القرار هو العامل وليست المؤسسات المشغلة لهم، أي أن قيام المؤسسة التي كان يعمل بها العامل بدفع حقوق العامل والمتمثلة في فرق راتب الضمان كمكافأه نهاية خدمة حسب قانون العمل لصالح العامل لن يؤدي الى أي التزامات مالية جديدة على الإطلاق، او اي اهتزاز او اختلاف بالمركز المالي للمؤسسة المالية، ولا لإفلاس تلك المؤسسات المالية كما يشاع، لا بل على العكس تماما فإن فرق مكافأه نهاية الخدمة هي أقل من قيمة الأقساط التي كانت على المؤسسة المالية أن تدفعها للضمان الاجتماعي لو لم يتم تعديل القانون.، ولعل الفرق الوحيد المتمثل فقط بقيام المؤسسة المالية بدفع الفرق أو قيمة مكافأة نهاية الخدمة مرة واحدة عند نهاية الخدمة على أساس آخر راتب، بدلا من أن تدفعها كأقساط شهرية لصالح مؤسسة الضمان الإجتماعي.
ومن هذا المنبر، فإنني أدعو كافة الجهات المعنية لإجراء دراسات مستفيضة عليه ومعرفة الأضرار التي لحقت بالعاملين في فئة الادارة العليا بمؤسسات القطاع الخاص وانصافهم بدلاً من هضم حقوقهم ومنحهم الحق في الحصول على تقاعد عادل يتناسب مع الراتب الشهري الذي يتقاضاه ومساهمته فيه من خلال الاقتطاعات التي يدفعها هو ومؤسسته للضمان الاجتماعي وتطبيق الاستحقاق القانوني لقانون العمل، وافساح المجال لهذه الفئة للتقاعد برواتب عادلة أو تعويضات مكافأه نهاية خدمة مناسبة تتيح لهم عيش تقاعدي كريم وكذلك لإتاحة المجال لجيل الشباب الجديد لاستلام المهام والوظائف العليا في هذه المؤسسات وكبح جماح نسب البطالة التي ترتفع عاما تلو العام خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي فرضتها جائحة كورونا على العالم أجمع وحدت من نسب النمو الاقتصادي ومحدودية الوظائف الجديدة، فالوضع الحالي يجعل أصحاب الوظائف العليا والرواتب العالية يتمسكون بقدر الإمكان بوظيفتهم وعدم تركها على الاطلاق وذلك لقناعتهم التامة بأن مركزهم المالي سوف يختل بمجرد خروجهم على رواتب تقاعدية بسقف ثلاثة آلاف دينار شهري بحده الأقصى بالوقت الذي كان يتقاضى فيه قبل أن يتقاعد عشرة الاف دينار والذي لولا تعديل قانون الضمان الإجتماعي لكان راتبه التقاعدي بحدود ثمانية آلاف دينار شهري وهو الراتب الذي كيف نفسه وعائلته عليه.
وأخيراً هنالك هجوم غير مبرر أو ربما غير منطقي على أصحاب الرواتب العالية والمرتفعة ومستمر بين الحين والآخر وكلما سنحت الفرصة نجد العديد من المقالات والتحليلات والتعليقات ضد هذه الفئة وهي بالمناسبة فئة نسبتها قليلة جداً فالهجوم غير مبرر وغير عادل باعتبار أن هناك ثمن يدفعه العامل من ذوي الرواتب التي تتكون من أربعة خانات وهذا ما لا يعلمه العديد من الناس فأصحاب الرواتب العالية يدفعون شهرياً 25% من قيمة رواتبهم كضريبة دخل بعكس 95% من الموظفين الذين لا يدفعون ضريبة دخل باعتبار أن رواتبهم لا تتجاوز الـ 700 دينار وهم كثر وللحديث بقية.