أُتيحت لي فرصة الاطلاع على وثيقه للأمم المتحدة تتحدث عن إعادة تأهيل البادية الأردنية بمساعدة مالية تقدر بحوالي 160 مليون دولار. وتم إيكال مهمة إعادة تأهيل البادية الى وزارة البيئة الأردنية لتنفيذ ما جاء بالوثيقة من خلال التعاون مع مؤسسات الدولة المختلفة، وذلك من اجل تحقيق الأهداف العديدة التي ذُكرت في الوثيقة.
وتشير الوثيقة ان فترة التنفيذ التي تم إعتمادها هي 9 سنوات، بعد فترة استكمال الدراسات التي سبقت اعتماد هذه الوثيقة بحوالي سنتين، وان نهاية عام 2019 هو موعد انتهاء فترة تنفيذ برنامج تأهيل البادية.
واظهرت الوثيقة نظرة شمولية لتأهيل البادية الأردنية من ناحية تنفيذ العديد من النشاطات مثل انشاء الحفائر والسدود المائية بهدف الحصاد المائي في البادية وكذلك تنمية المجتمعات المحلية وخاصة مربي الماشية منهم وتنمية الثروة الحيوانية وطرق الحفاظ عليها واكثارها بالإضافة الى زراعة الشجيرات الرعوية بهدف زيادة مستوى الغطاء النباتي في البادية من اجل توفير المراعي المناسبة في مناطق البادية المختلفة، وكثير من النشاطات التي تؤدي في مجملها الى برنامج متكامل لتأهيل البادية الأردنية.
ومما أثار استغرابي ان وزارة البيئة في حينه أطلقت على هذا البرنامج “برنامج التعويضات البيئية” مع انني لم اجد هذا المصطلح له أصل في وثيقة الأمم المتحدة وكان اسم البرنامج بكل وضوح هو “برنامج إعادة تأهيل البادية الأردنية”.
تساءلت ومن حقي كمواطن اردني ان أتساءل لماذا تم تسمية هذا البرنامج الهام بـ”التعويضات البيئية” مع انه جاء بحجم برنامج توطين البدو الذي تم تنفيذه في منتصف الستينات في مناطق الجفر والقطرانة وبرما/ الحسينية والديسي والعديد من هذه المشاريع التي لا زالت شاهد على تلك الفترة، وأدت الى تنمية حقيقية في البادية الجنوبية، والتي كانت تحت رعاية المرحوم بإذن الله الملك حسين بن طلال.
ففي تلك الفترة، اي فترة تأسيس مشاريع التوطين كانت الكوادر العاملة من أبناء البادية وتم التنفيذ تحت اشراف وزارة الزراعة .
وجال في خاطري سؤال ملح عن أسباب تغيير اسم برنامج إعادة تأهيل البادية الى تسميته بالتعويضات البيئية، فوجدت أن من قام بإدارة هذا البرنامج منذ مرحلة التأسيس لتاريخه هم اشخاص ليس لهم علاقة لا من قريب او من بعيد بالبادية الأردنية وقد يكون هذا أحد الأسباب الرئيسة للانحراف الواضح في التسمية ولم اجد سببا آخر يستدعي تغيير الاسم.
فالاسم الاول الذي اطلقته هيئة الامم يعطي الشرعية للبادية فقط ليتم فيها التطوير وبكل السبل اللازمة لتنمية المجتمعات المحلية في البادية مع الحفاظ على كرامتهم.
وكما تساءل العديد من قبلي هل كان المطلوب من اهل البادية الاستجداء ليحصلوا على التعويض …. والتعويض مِن مَن، مِن الذين يقرروا هذا يستحق وآخر لا يستحق. فهل حقيقة كان المطلوب هو أن يستجدي ابناء البادية حتى يستحقوا هذا الذي تم تسميته بالتعويض.
انني اعتقد بان مثل هذه السياسة غير المعلنة لم تستطع وزارة البيئة من خلالها تطوير البادية وتأهيلها.
لذا استشعرت الحكومة الأردنية مؤخرا عدم جدوى هذا البرنامج وأصبحت موارده تستعمل في مشاريع تنموية أخرى. وقد تكون الأسباب الموجبة لذلك مشروعة، ولكن للأسف لم تنظر الحكومة الى الأسباب الحقيقية التي أدت الى هذه النتيجة. وبكل صراحة ان احد الأسباب الرئيسة كانت استبعاد أبناء البادية من ادارة هذا البرنامج وهكذا أصبحت النتائج كما نراها حاليا لا تسر أبناء البادية، اي لم تستفيد منه المجتمعات المحلية الا اليسر اليسير، وخاصة اذا بقي الحال على ما هو عليه لنهاية عام 2019.
د. ماجد فندي الزعبي / مستشار الزراعة والبيئة