صراحة نيوز – بقلم عبد الفتاح طوقان
غَفْو : مصدر غَفا أي نوم خفيف، يتوافق مع حالة العفو العام الذي يتم الحديث عنه و فيه بين مجلس النواب الأردني و الاعيان في زمن غفت فيه الحكومات و تغافي الحكومة الحالية عن عفو حقيقي و يدفع الشعب ثمن عفو غير مكتمل واخطاء الحكومات بالتبعية.
“فالعفو العام” على أهميته وضرورته في اعاده السجناء الي حياتهم الطبيعية ودمجهم في المجتمع هو جزء من سياسة تخفيف عبء اقتصادي علي الحكومة اولا، و هو من متطلبات صندوق النقد الدولي حيث ان بقائهم في السجون يكلف الدولة ثمانون مليون دينار ،وثانيا في نفس الوقت يخفف الظلم الذي حاق ببعض سجناء الرأي والسياسيين والمعتقلين ( و هو ما لم يحدث في هذا العفو) ، وفي عودة بعض ممن هم في الخارج حيث تعدم ملفاتهم الأمنية و تلغي بالكامل أي اتهامات حقيقية او غير حقيقية ،وفي خلق مناخ من التسامح نحتاج إليه جميعنا، لبناء وطن قوي معا.
عفو عام يذهب فيه الملك عبد الله الثاني بنفسه، مثلما فعل الرئيس السادات في مصر بعد القبض علي مراكز القوي، ليحرق كل الملفات امام الكاميرات و يبيض السجون و يهدم معتقلات أبو زعبل و النطرون ، إيذانا بعودة الديمقراطية و السماح بحريات لم تكن متواجدة من قبل سمحت لألاف المصريين المعارضين بالعودة و ممارسة حقوقهم السياسية دون التحقيق معهم او مساءلتهم او المساس بحقوقهم و أعاد لهم ما تم مصادرته من أموال و ممتلكات.
لكن ما لم يتم عفو كامل وشامل عام مثل الذي حدث في عام ١٩٦٢ يبقى أي نوع من العفو إجراءات قاصره في مسار الإصلاح الديمقراطي، و اقصد العفو الذي بموجبه تم العفو عن كل مجموعة الضباط الاحرار اللذين قصدوا القيام بقلب نظام الحكم الملكي اسوة بما حدث في مصر ، و منهم مع حفظ الألقاب شاهر أبو شحوت رئيس الحركة – المؤسس قاسم الناصر نائب الرئيس – و المؤسسين محمود المعايطة ،الفريق العميد صالح الشرع، الفريق علي أبو نوار سعيد السبع، حمد الحياري، نواف الحمود، خليل البورنو، عبد الله مياس، ضافي الجمعاني، الفريق مشهور حديثه الجازي، احمد زعرور، المشير زيد بن شاكر ، تركي الهنداوي، نايف الحديد، ضيف الله الهنانده ، توفيق الحياري، جعفر الشامي ، الفريق مخابرات نذير رشيد، اللواء مخابرات عصام الجندي و العميد مخابرات اكرم الزيتاوي، و العميد سامح البطاينة و العميد شوكت السبول، و العميد احمد زعرور، و عزمي مهيار، و عبد الرحمن العرموطي، و جعفر الشامي و غيرهم.
وأيضا من قاده العمل الحزبي من أمثال شفيق رشيدات وسليمان الحديدي ومحمود الكايد ومرافق الملك طلال المقدم صبحي طوقان الذي كان يعمل على إعادة الملك الوطني المرحوم طلال الي الحكم والعرش ضد التوجهات البريطانية والمؤامرة التي أدت الي عزله واتهامه بما ليس به من مرض، ورجل الاعمال زكريا الطاهر الذي كان يمول حركة الضباط الاحرار وأحد عقولها واخرون كثيرون ممن في الداخل والخارج على السواء.
في العفو المطروح علي الساحة تأكيد ان الحكومة غافية ، نائمه في غيبوبة عن الواقع الأليم السياسي، و دليل منها على حدوث خلل فهو عفو قاصر يبحث في العفو المتجزئ عن سارقي المياه المقدرة بمائة و ثمانين مليون مترا مكعبا سنويا ، و العفو عن عشرة الاف مدمن و تاجر و متعاطي مخدرات ، و العفو عن أصحاب سوابق في القتل و الايذاء و المشاجرات و الذم و التحقير و شهادة الزور، و تحاول الحكومة ان يغدو الأمر كأنه انتصار لها في مجال الحريات لكنه لا يضيف اي نوع م الشرعية السياسية والقانونية على رفع و الغاء أسلوب القمع للرأي المعارض الحر ، ولا يبرر صفحة بيضاء للوطن في التعامل مع الرأي المعارض الذي لم يصدر أي عفو عنه او اشاره اليه ضمن برنامج مصالحه وطني شامل مفترض. هكذا يفهم العفو العام.
ما لم يتم ذلك، فأن كل الإجراءات التي يتم تداولها والأحاديث الإعلامية لتضخيم “العفو” لا تعدو عن حالة شبيه بغفوه على ضوء شموع تحرق جسد الوطن في زمن أعضاء الحكومة يجهلون تاريخ العمل الوطني الأردني ومعني “العفو العام” ويعتقدون ان العفو كما قال نائب رئيس الوزراء انه عفوا عاما و ليس شاملا، علما ان عفو عام ١٩٦٢ كان عفوا عاما شمل كل شيء ، وهذا التعريف او المصطلح الجديد المسمى “عفوا شاملا” يصدر اول مره في تاريخ الأردن القانوني والسياسي يصنف العفو “بشامل و ضد الغير”، و كان الموضوع يتبع احد شركات التامين التي بها تامين شامل و ضد الغير.
الوطن بحاجة الي كل صوت وطني حر والي كل أبنائه في الداخل و الخارج ليتكاتفوا معا و يشاركوا في المؤسسات التشريعية و التنفيذية ويمارسون حقوقهم السياسية السيادية ا لمسلوبة منهم في وطنهم في مواجهة ما يتعرض له الأردن و الحكم الملكي من مؤامرات، وللخروج من لعبة صفقة القرن، والنجاة من مديونية تسببت بها الحكومات المتعاقبة أدت الي حالة افلاس سياسي وحكومات مقزمة مستضعفه بلا ولاية وبلا قرار مستقل و بلا رؤية للمستقبل او جاهزية للتعامل الاستراتيجي لما هو في الساحة، قبل ان يكون افلاسا اقتصاديا تدفع ودفعت ثمنه العشائر الأردنية خاصة والأردنيين عامة.
أيها الحكومة، عفوا صحي النوم من غفوتك فهذا ليس عفوا بالمفهوم القانوني والسياسي المتعارف عليه.