صراحة نيوز – بقلم د صبري الربيحات
البطالة التي تفشت بین صفوف الشباب والنساء ظلت عدیمة التأثیر على الاوضاع الداخلیة حیث تواطأ الجمیع على قبولھا وتسكین آثارھا بمساعدة الاسر وسمة التكافل وبعض التدخلات رمزیة على ھیئة مشروعات ومبادرات مؤقتة لا تسمن ولا تغني من جوع.
الحكومات التي تجاھلت المشكلة واكتفت بالاشارة الیھا في بیانات نیل الثقة ومناقشة الموازنات للقاءات الاعلامیة تواجھ الیوم اعنف عاصفة في تاریخھا السیاسي حیث تتدحرج كرات الثلج التي تشكلت من جموع العاطلین عن العمل وتتوجھ جمیعا صوب العاصمة في اكبر مسیرة مطلبیة شھدتھا البلاد منذ عقود.
في معان والطفیلة والكرك ومادبا وذیبان والزرقاء واربد والسلط واحیاء عمان المختلفة یتھیأ الشباب للالتحاق بأبناء العقبة الذین امضوا الایام التسعة الماضیة سیرا على الطریق الصحراوي الموحش لا یعنیھم التعب ولا البرد ومخاطر السیر التي نالت من احدھم فقد قرروا ان یتوجھوا الى العاصمة في مسیرة احتجاجیة تحمل مطلبا رئیسیا واحدا وعددا من مطالب الضمنیة.
”شغلني“ ھو الشعار المعلن لمسیرة العقبة التي یزید عدد اعضائھا على 400 متظاھر یتقدمھم احد النواب الذي طالما تحدث علنا عن التجاوزات والممارسات التي شكلت انتھاكا لمبدأ العدالة وتكافؤ الفرص. النواب والحكومة وسلطة العقبة الاقتصادیة في مرمى المحتجین الذین یھتفون للأردن ویرفعون العلم في الوقت الذي یشكون فیھ من الظلم والتجاوزات التي حدثت من خلال التعیینات التي قامت بھا السلطة والحكومة لحساب النواب وأقربائھم ومحاسیبھم.
التحاق الآلاف من شباب وشابات المحافظات الاخرى بالمحتجین العقباویین یثیر تساؤلا كبیرا حول مدى استعداد الحكومة لتقدیم حلول مرضیة ومقنعة للمشكلات التي یعرضھا المحتجون وقدرة الحكومة على الصمود في وجھ اعصار البطالة الذي یشتد یوما بعد یوم؟
لا اظن ان الحكومة تملك اجابات او حلولا للمطالب التي تتصاعد فلم یكن في حسابات الرئیس الذي اعتقد ان تمریر قانون الضریبة اكبر المعضلات التي قد تعترض مسیرتھ لیفاجأ بان في كل شبر نذرا اوان الطریق ملیئة بالمنعطفات التي یصعب تجاوزھا.
الاستجابة الاولیة لسیل المسیرات لا یوحي بوجود ارنب في قبعة الساحر فقد قال الرئیس ”لن یتمكن القطاع العام من توفیر فرص عمل لكل العاطلین عن العمل“. لا اظن ان الشباب الذین ساروا على الاقدام لمدة تسعة ایام ینتظرون مثل ھذه الاجابة فقد سمعوھا مرارا وسمعوا بان لدى قطر 10 آلاف وظیفة وان الحكومة ستوفر 30 الف وظیفة ویسمعون ویشاھدون ان عشرات الشركات والمصانع والاستثمارات تغلق ابوابھا كل یوم .
المطلب الموحد والواضح والمشروع ”شغلني“ یضع حكومة الرزاز في حرج كبیر ویفرض علیھا تقدیم اجابات سریعة وعملیة ومقنعة للاسئلة التي یطرحھا الآلاف بصوت واحد.موقف الحكومة وحججھا قد لا تكون مقنعة خصوصا وھي تأتي على خلفیة تعیینات اشقاء النواب وخارج آلیة المقابلات التي سارت علیھا الحكومات السابقة.
البطالة التي تعایش معھا الشباب والشابات لعقود وسنوات اصبحت اكثر القضایا قدرة على توحیدھم وتوجیھھم الاكثر وضوحا والحاحا فالعمل حق اساسي كفلھ الدستور وفي توفره برھان على صحة الاقتصاد وسلامة التخطیط ورشاد الادارة. في الحراكات الجدیدة رسائل من نوع خاص فھي تتجاوز مطالب الاصلاح والاختلاف حول الاولویات الى الحكم على سلامة الادارة من خلال تحقیق الاھداف. الشباب القادمون من كل جنبات البلاد نحو عمان یقولون بصوت واحد لقد انتظرنا طویلا ولم یعد بمقدورنا الانتظار.
لو كنت مكان الرئیس لاتخذت جملة من القرارات قبل ان ینتھي نھار الیوم. اولا اغلاق سوق العمل على غیر الأردنیین وفتح مئات فرص العمل لمن یرغب. ثانیا لانشأت اربع قرى زراعیة للشباب في جنوب المملكة وبالقرب من مصادر المیاه التي تستغلھا السعودیة في عشرات آلاف المزارع. ولقررت زراعة محاصیل القمح والشعیر والبرسیم والبطاطا بأي كلفة وصولا الى الاكتفاء الذاتي وبما یرفع نسبة العاملین في القطاع الزراعي الى 7 % بدل 2 %. ثالثا خصصت مبلغ 200 ملیون دینار لمشروعات صغیرة تتوجھ الى انتاج سلع یحتاج لھا السوق مع قرار یحترم وقف استیرادھا. بغیر مثل ھذه الاجراءات فان المشكلة ستتصاعد وقد تؤدي الى مشكلات یصعب التنبؤ بمدى تأثیره