صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
في هذا المقال – وبدون مناسبة – سأتحدث عن الدكتور عبد السلام المجالي، الطبيب وليس السياسي والأكاديمي، وهو المولود في قرية الياروت / الكرك عام 1925، فيما يتعلق بمشروع معالجة العائلات.
فهذا المشروع الذي تتولاه الخدمات الطبية الملكية، يُقدم الخدمة العلاجية والتمريضية للعسكريين وعائلاتهم، منذ بدء العمل به قبل أكثر من نصف قرن وحتى الآن. ولكن كثيرا من متلقي هذه الخدمة لا يعرفون من هو صاحب الفكرة، وكيف نشأت وتطورت مع مرور الزمن. ولكي يعرف هؤلاء حقيقة هذا التساؤلات، أجد من واجبي ألقاء الضوء عليها، تقديرا لمن أطلقها وإعادة الفضل لأهله.
ففي أوائل الستينات من القرن الماضي، كان العميد الدكتور عبد السلام المجالي مديرا للخدمات الطبية الملكية في القوات المسلحة الأردنية. وكانت العناية الطبية بتخصصاتها المختلفة في ذلك الحين، مكرّسة لخدمة ضباط وأفراد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية العاملين والمتقاعدين فقط. فبادر عبد السلام بطرح فكرة ” مشروع معالجة العائلات ” بما يخص العسكريين عاملين ومتقاعدين، إضافة لما هو معمول به لخدمة العسكريين أنفسهم.
جرى تعميم فكرة المشروع على جميع وحدات القوات المسلحة، فجاءت النتيجة بمعارضته من قبل الكثيرين. ولأن عبد السلام كان مقتنعا بفوائد هذا المشروع للعسكريين وعائلاتهم، خاصة في ظل ارتفاع الكلف العلاجية وأثمان الأدوية، في القطاع الخاص حاضرا ومستقبلا، فقد أصرّ على السير بمشروعه وتنفيذه بعد تذليل العقبات الهلامية التي تعترضه. فراح يطوف على الوحدات العسكرية والأمنية وإلقاء المحاضرات على مرتباتها، في محاولة لإقناعهم بجدوى المشروع وفوائده الإيجابية عليهم وعلى المنتفعين.
وفي عام 1965 كنتُ برتبة ملازم أول في كتيبة الأمير عبد الله بن الحسين، والتي كانت تعسكر في غور الأردن جنوب مثلث المصري، حضر مدير الخدمات الطبية الدكتور عبد السلام المجالي في يوم ربيعي، لإلقاء محاضرة على ضباط وأفراد الكتيبة، التي اجتمعت بكافة مرتباتها في مكان محدد. تحدث الرجل بلغة بسيطة أمام أفراد الكتيبة، مبينا أهمية هذا المشروع لهم ولعائلاتهم حاضرا ومستقبلا، مبينا أن هذا يتطلب تخصيص بطاقة طبية تحمل صورة كل فرد ومنتفع، كي لا يحدث تلاعبا بتلك البطاقات لغير المنتفعين. لم يكن نظام الرقم الوطني معمولا به في ذلك الوقت.
وفي نهاية المحاضرة طرح المحاضر سؤاله على الحضور، عن سبب معارضتهم للمشروع. فجاء الجواب المباشر أنهم لا يرغبون بوضع صور زوجاتهم، على البطاقات الطبية وفي السجلات التي يتداولها الكتبة في مؤسسات الخدمات الطبية. فأخرج المحاضر بطاقة من جيبه عليه صورة زوجته، وقدمه لأول جندي في ذلك الاجتماع قائلا : هذه بطاقة زوجتي انظر إليها ومررها إلى جميع أفراد الكتيبة.
واصل عبد السلام محاضراته حول هذا الموضوع في مختلف وحدات القوات المسلحة، فأظهر معظم العسكريون ليونة في الموقف بعد ذلك الجهد المكثف. ثم أن عبد السلام أبدى من جانبه تساهلا في مسألة الصورة على البطاقة، وسمح باستخدامها مرحليا بدون صورة، إلى أن اقتنعوا فيما بعد بضرورتها، حيث أضيفت صورة المنتفع مقرونة بالرقم الوطني على البطاقة منعا للتلاعب. ولو قامت الجهات المعنية هذا اليوم، بإحصاء عدد المنتفعين من هذا المشروع منذ عام 1965 وحتى الآن، لتجاوز العدد عشرات الملايين من الأشخاص.
وهكذا يكون الدكتور عبد السلام المجالي، قد قدم خدمة طبية وإنسانية، لشريحة كبيرة من أبناء الوطن، يستحق عليها الثناء في الدنيا والثواب في الآخرة. وكم تمنيت أن تقوم القيادة العامة للقوات المسلحة بتسمية هذا المشروع ” مشروع عبد السلام لمعالجة العائلات ” تكريما للرجل صاحب المبادرة وهو على قيد الحياة، باعتباره الأب الروحي لهذا المشروع الوطني.
وفي الختام، أستميح الإذن من زملائي، أبناء وبنات القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وورثة الشهداء والمتوفين، أن أتقدم نيابة عنهم بالشكر والتقدير لدولة الدكتور ( الطبيب ) عبد السلام المجالي، على ما قدمه لنا ولمن سبقونا وللأجيال اللاحقة، من خدمة جليلة يتمناها كل أردني، سائلا الله تعالي أن يمتعه بالصحة وطول العمر، وأن يجزيه عنا جميعا خير الجزاء.
التاريخ : 25 / 9 / 2020