صراحة نيوز – كتب عبدالله اليماني
في حياة كل واحد منا (قصص ) يعيشها، كل يوم قصص تسعده ، وقصص تحزنه ، منها ما يخفف الهموم ومنها ما يزيد من الأوجاع ، قصتنا اليوم (مفاجأة) لمن يريد أن يقرأها ويستمتع فيها (واحد فقط) طيلة حياتها الطويلة.
أي عمل (إنساني) هو طريق (إسعاد) الآخرين ، في هذا الزمان، والذي يقضي عملا خاصاً فيه ، يجد إنسان كرس حياته لتقديم المساعدة لمراجعي عمله .
وكثيراً ما تجد وراء الأبواب أسرار تخفي قصصا خاصة ينامون ويستيقظون عليها. وقصتنا صاحبها لا يعرف الاستسلام ، إنها قصة إنسانية مؤثره ، بطل قصتنا رجل ضرير.
بداياتها زيارة ضرير إلى (سعود) بيك ، الذي هو واحد من أبناء الأردن الغيارى الذين نذروا أنفسهم لخدمة الإنسان والإنسانية بكل رحابة صدر وعطف وحنيه . سعود ( بطل ) قصتي نذر نفسه وحياته وحبه لعمل الخير ، من هنا تجد أن عمل الخير لديه تجدها ( ثقافة متجذره وشخصية ) وهو صاحب شخصية مميزه .
(سعود) بيك شخصية عربية أردنية ما يميزه عن غيره ممن هم في مواقع المسؤولية ، انه إنسان لطيف دمث الأخلاق ، يقبلك في ابتسامة ، يتألم وتتوجع جميع أحاسيسه ، وترتسم علامات الحزن على محياه، عندما يسمع قصة مأساوية مؤلمة . والعمل الإنساني الذي يقوم فيه يخفف منها ، ويمحو بعضها كون العمل الذي يقوم فيه متنوع . بطل الحكاية وتفاصيل قصته يحكيها بطلها :
العمل الإنساني ليس في تقديم المال وحده ، وإنما في جوانب أخرى متعددة، ومن يقوم في تأديتها سواء كان غني أو فقير ، فان الهدف منها (النية) الصادقة، الخالصة إلى رضا الله .
ومن يؤدي العمل الإنساني ، في المال والتصدق فيه ليس الغني فحسب، بل هو متاح للفقير والغني معاً، والعبرة في قبولها هي نية المتصدق.
وأتوقف عند نوع من العمل الإنساني ، ألا وهو إهداء ( العصا ) ، وهي نموذج حي لمن أراد أن يقدم أجرا للآخرين ، وتظهر معنى العطاء وغرس مفهوم الإنسانية في قيمة العمل الخيري عندهم .
سعود كان في أحد الأيام ، على موعد كباقي الأيام ، مع استقبال المراجعين من أصحاب الحاجة ، بذاك اليوم أتي إليه ( ضرير )، من مكان ما إلى ( سعود ) بيك ، قاصده ، راغبا المساعدة من ( سعود ) ، وقد سمع الكثير عن ( سعود ) ، بأنه إنسان ( شهم ) يساعد المحتاجين .
جاء هذا الضرير وهو صاحب ( همة ) عالية وإرادة صلبة ، والأمل يحدوه أن (سعود) سيمد له يد العون والمساعدة ( لعياله وأمه ) ، ويعمل على قضاء حاجتهم وإنقاذهم من مأساتهم .
كل صباح يدعو سعود ربه قائلا : يا رب اعني على عمل الخير الذي ترضاه ، فأنت يا رب قد أمرتنا بالعمل الصالح ، وفعل الخير، ومساعدة الآخرين هي صلب عملنا الإنسان.
سعود لا يرتاح إلا لما ينجز عملا خيرا ، لحظتها يشعر أن ( صاحب ) الحاجة قد نال حاجته ، عندها سعود يشعر أن السعادة تغمره ، فيرتاح قلبه وجسمه وينام ، وهو مرتاح الضمير.
ترى الإنسان لا يشعر بالسعادة إلا وقد ادخل السعادة ، في قلب طالبها ، والسعادة تجعل الإنسان ، يساهم في تقدم المجتمع وتطوره ، والفرح يدفع الذي يؤديه إلى مواصلة البذل والعطاء بعد قيامه ، بتنفيذ العمل الصالح ، فالذي يعمل على تقوية روح المحبة ، والتعاون بين أفراد المجتمع ويسهم بفعل الخير ، ونشر قيمه الايجابية، وتزيد من الانتماء والارتقاء بين أفراد المجتمع.
العصا ليست (حلم) ، في ليلة ماطرة بردها شديد ، وإنما هي قصة حقيقية ، واقعية عنوانها هدية (سعود) بيك هذا رجل مسؤول ، رفيع المكانة والمقام، مسؤول شريف عفيف نظيف، هديته تدل على جوهر الإنسان المسؤول هذا ، وعلى قوته ومناعته ، وهي دليل على شجاعته ، ومنصبه يتطلب منه التصدي (للأعداء) في ميادين الرجولة والبطولة والإقدام .
وتكمن قيمة قيامه بإهداء العصاه (للضرير) استجابه لقول : الله تعالى “هي عصاي أتوكأ عليها” .
سعود شخصية فذة رقيق الإحساس (طيب القلب) لا يتوانى عن تقديم المساعدة ، فتراه في كل مكان وزمان في الميدان ، يهب لمساعدة كل صاحب حاجة ماسة ، يؤدى عمله من دون أن يعرفهم .
يقول الراوي : أن ضريراً ما أتى إلى (سعود) بيك ، وقد أهدى سعود الضرير (عصا) .
فقال (الضرير): أن لديه (عصاه) .
فقال له سعود : اعلم أن لديك (عصا) ، خذها وأعطيها إلى (أمك) .
الضرير شكر (سعود) على مساعدته ، ومعتبرا ما قدمه سعود له هو قمة العمل الصالح .
الضرير شكر وهو يبتسم ، وأخذ ( العصا ) وعندما وصل منزله سلم العصا (لامه). واخبرها أنها هدية من (سعود) بيك لك ، وذكر لها مدى أهمية العمل الصالح ، الذي يقوم فيه (سعود). وان هدف هدية العصا لاستعمالها في مواجهة كل من ( تسول ) له نفسه النيل من قدره وكرامته .
فأمثالنا كثيرا ما يتعرضون إلى مضايقات متنوعة ونحن سائرون في الطرقات ، فلهذا فان وجود (العصا) في أيادينا تجعل رأسنا مرفوعا بعيدا عن الذل والمهانة ويتجنبنا المتطفلون ، فلهذا قال لي سعود : خذها (لامك ) .
(سعود) لم يكن يعلم ، أو يدور في ( خلده ) أن أم الضرير سترد له الهدية بهدية عصاة ثمينة ، لقاء إهدائه تلك (العصا) ، بأن يقوم الضرير باهدائه ( عصا ) ردا على جميله (باهدائه) عصاه مماثلة ، وتكون هديته عصا ( مميزه ) ، وسوف يكون لها صدى ، يتناولها الجالسون في جلساتهم .
وهذا ما حصل بالفعل ففي ذات يوم جاء الضرير مرة أخرى ، وبهذه الزيارة يحمل بيده عصا من نوع غير (عصاه) جميلة ، مقبضها راس( أفعى ) لونها فضي .
وبعد تقديمها وضعها (سعود) فوق خزانة مكتبه ، ومع مرور الأيام والأشهر . وفي ذات يوم ( زاره ) شخص ما ، وما أن جلس في ( مكتبه ) ، حتى لفتت انتباهه تلك (العصا) ، وطال تحديقه وهو ينظر إليها .
سعود لم يكن يتوقع أن هذه العصا (ستلفت) انتباه هذا الزائر وبأنها ستنال إعجابه .
سعود سأل الزائر : على ماذا تنظر ؟ فقال : انظر إلى العصا .
فقال : الزائر هل هي لك ؟
فرد سعود : كلا ، إنها أمانة عندي .
فقال الزائر: إني أريدها .
فقال سعود : هي لك ولكن بشرط ، أن تدعو لأم الذي أهداني إياها .
أنصدم الزائر من طلب ( سعود ).
فقال الزائر : وما هو شرط أم الذي أهداك إياها ؟
قال سعود بيك : أن تدعو الله لها ، بما تعرف من الأدعية .
الزائر استجاب إلى طلب سعود .
وقال : سأدعو الله لها .
سعود : ارتاح قلبه لأنه لبى طلب أم الضرير ، بان وجد إنسانا ، يدعو الله ( لأم ) الضرير التي أهدته العصا .
تروح أيام وتأتي أخرى ويجتمع ( الضرير والزائر ) الذي اخذ العصا من سعود ، في مكان واحد ( ديوانية ) احد أصدقائه، ورأى ( العصا ) صديق له .
فقال له : ويش هذه العصا الجميلة التي معك ؟
فقال الزائر : إنها من صديق لي .
لم يخطر ببال (الزائر) أن (الضرير) هو من أهدى ( سعود ) العصا ، وهي هدية أمه .
الضرير جالس يستمع إلى كلامهم ، و( الضرير) يتمتع بذكاء عال ، لما سمعهم يتحدثون عن العصا دخل على الخط .
وقال : الضرير ، بالله عليكم ما هي العصا لها مقبض رأس حيه ، ولونها فضي ؟ أصابت جميع الحضور الدهشة ، كيف عرف الضرير مواصفات هذه العصا ؟
فرد ( الزائر ) الذي معه العصا ، نعم ، لكن كيف عرفت أن مقبضها ، رأس حيه ولونها فضي .
فرد الضرير قائلا : هذه العصا يا إخوان من ( أمي ) ، أرسلتها معي هدية إلى عطوفة سعود بيك ، رداً على إهدائه لها ، (عصا ) أهداها لها من خلالي .
وقالت (أمي ) : قل له يدعو لي ، وهو نفذ الوصية ، واستجاب لطلب أمي ، وهذه العصاه قريبه من قلب أمي .
وهنا أشاد الحضور بهذا الموقف الإنساني الذي قام فيه سعود بيك نحو أم الضرير ، وبصوت عال قالوا : بارك الله فيه وبأمثاله ، ممن يصونون الأمانة ، ويوفون بالوصية .
هناك فرق بين عطاء الإنسان ( الصادق ) ، وبين الإنسان ( الكاذب ) ، فالإنسان الذي يهديك ورداً ( طبيعياً ) يفوح منه رائحة زكية ، هذا إنسان صادق ، والذي كلامه لا يثمر أبدا كمثل الورد ( الاصطناعي ) .
بينما نتجول في الحياة ، نجد إنسان لم يستمتع بيوم (طفولة) خلال حياته الطويلة، ربما لأنه عاش ظروفاً صعبةً في حياته ، منها المرض الذي يؤدي أحيانا إلى العجز في جزء من الجسد ، وتبقى الأسرة تسعى جاهده لعلاجه صابرة حتى يعجز الصبر على صبرها ، تعمل الأسرة من أجل أسرتها ، حتى وهي في شيخوختها .
إنها رحلة الشقاء مع الحياة رحلة الأخلاق والقيم والكفاح في هذه الحياة وان بالعمل الصالح تفيد وتستفيد .
بوركت الأيدي التي تعطي ، وتعمل بجد وأمانة وإخلاص من اجل خدمة الإنسانية .
ويبقى ( سعود )نموذج حي مشرف ، لكل مسؤول مؤتمن على مساعدة المحتاجين بكل أنواع المساعدة ، والدعاء لام الضرير اكبر نوع مساعدة.
وَ( قَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إلا إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ) كل قول أو فعل ، يحصل به منفعة للوالدين أو يدخل السرور إلى قلبيهما يعتبر إحسانا رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين.