فاجعة رصيف ميناء العقبة (راح ضحيتها 13 شخصا) لم تكن مجرد حادثة رافعة تدلى منها “حبل” تالف وانقطع، ولا خزان ممتلئ ب”الكلورين ” اصطدام بالأرض وانفجر، هذه- للأسف- صورة مصغرة ومكررة لفواجع أكبر، سقطت فيها روافع “حبال” كانت أصلب، وانفجرت بسببها خزانات أوسع وأهم، وراح ضحيتها ملايين الأردنيين الذين توزعوا بين اليأس والعطالة والقلق، على مستقبل بلد عزيز، ليس لهم غيره . تحتاج الدولة، أي دولة، إلى روافع سياسية، واجتماعية، وإعلامية، واقتصادية، تحظى بالموثوقية والاحترام، وتتسم بالصدق والحسّ الوطني،وتتحمل مسؤوليتها بالشدة والرخاء، كما تحتاج الدولة إلى حبال صلبة، ترفع المجتمع لامتثال قيمها، والدفاع عن مصالحها، وتعقلهم أوتربطهم بها، خذ مثلا حبل الثقة والعدالة والنزاهة،وحبل الفعل الوطني البعيد عن الأغراض الشخصية، والشفافية وخدمة الشعب، للأسف الروافع تراجعت، أواستقالت من وظيفتها، اوحشرت نفسها بخانة المصالح الذاتية، أوتم تصنيفها خارج الدائرة الوطنية، أما الحبال فبعضها اهترأ، وكثير منها انقطع. فاجعة العقبة، لا تذكرنا بأوجاعنا فقط، ولم تنكأ أحزاننا على شباب بعمر الورود، دفعوا أرواحهم نتيجة إهمال مسؤولين، وإنما تذكرنا بالكرامة الوطنية التي يصر البعض على تجريحها والاستهانة بها، معقول أن يمضي يومان دون أن نسمع مسؤولا اعتذر للأردنيين عما حدث، أوأحدا قدم استقالته تعبيرا عن المسؤولية الأخلاقية، معقول أن أرواح هؤلاء الشباب لم تستصرخ ضمائر بعض القائمين على سلطة العقبة،فيخرجوا عن صمتهم بتصريح، اويلغوا حفلة، اويشاركوا بعزاء اويعلنوا الحداد؟ في كل مرة تصطدم رؤوسنا بجدار الإهمال والتقصير، نتابع فصولا مدهشة لاستنفار المسؤولين، وتشكيل لجان التحقيق، وموجة من الغضب الشعبي، ودعوات لإصلاح مرافق الادارة العامة، ومحاسبة المسؤولين المعنيين، وما أن تهدأ الموجة، وتتلاشى أثار الصدمة، حتى تعود “حليمة لعادتها القديمة”، لا إصلاح ولا اعتبار مما حدث. ماكينة الإدارة العامة تستمر بالحركة كما كانت، وأولويات المسؤولين بشراء سيارات، اوتخصيص مكافآت، أوتدشين مؤتمرات، أهم بكثير من شراء مستلزمات السلامة العامة، أوالحفاظ على حياة العمال، أوأداء الواجب الذي اقسموا على القيام به بإخلاص وأمانة. رسالة فاجعة العقبة التي يبدوأنها لم تصلنا، كما يجب، لا تكشف،فقط، عن إهمال في الموانئ، وعلى الأرصفة التي حملت مادة خطيرة وهي غير مخصصة لذلك، ولا عن إجراءات سلامة عامة كانت آخر اهتمام المسؤولين . الفاجعة، تكشف،أيضا، عن أوضاع مرافقنا الصحية (يوجد في العقبة مستشفيان خاصان وواحد عسكري فقط)، ومرافقنا الإدارية (سبع هيئات وشركات حكومية تدير العقبة، فيما كان يديرها سابقا سلطة الإقليم، ومؤسسة الموانئ)، والأهم حالة مجتمع العقبة بعد قصة “ننثر الرمال ذهبا”، تصور انه بعد حملة دعاية بهذا الاسم كلفت نحو6 مليون دينار، شهدت المدينة حالات انتحار عديدة، وحادثة انفجار الصوامع التي قتل فيها سبعة عمال، ثم ارتفاع متصاعد لنسب الفقر والبطالة. إدارة سلطة العقبة، جزء من إدارة الدولة، وقد حان الوقت لإصلاح سكة هذه الإدارات كلها، لا يكفي أن نطلق صرخة “كفى”، ثم تنتهي القصة، حركة السياسة في بلدنا يجب أن تتغير،وموازين العدالة والمحاسبة يجب أن تنتصب أمام الجميع . الأردنيون يستحقون أفضل مما قدّم لهم، كما أنهم لا يحتملون مزيدا من الفواجع والصدمات، ومن حقهم أن يسألوا: لماذا تراجع أداء مؤسساتهم واداراتهم بمعظم المجالات، فيما تقدم غيرهم مع أنهم لم يكونوا أفضل حالا منهم، ثم لماذا تتكرر مثل هذه الفواجع دون أن نسمع أن عن مسؤول واحد وقف أمام منصة العدالة، أوخلف القضبان؟