صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
مُنذُ القِدم ، قِيل ، وهو قولٌ سديد ، رشيد : (( فاقد الشيء ، لا يعطيه )) . يا ناس ، يا عالم ، يا مواطنين ، يا اردنيين ، ما يحدث في وطننا ، يُذهِبُ العقل .
لو قلت لكم انني ذهبت الى الشيخ / مصلح بن محمد العضايله ( ابو فيصل ) ، وإستأذنتهُ ان آخذ رأي راعي أغنامه في انني اود ان استثمر بإنشاء مصنع للالكترونيات ، او مول ( Mall ) في منطقة عوافي ، او عربيد ، او خنقة الحوض (( اسماء مناطق زراعية في قرية زحوم / الكرك )) ، ، هل تقولون عني انني عاقل ام مجنون !؟ طبعاً ، ستقولون بانني مجنون ، ومهستر ، ومهوي ، واكون كذلك لو عملت ذلك ، سأكون مجنوناً حقاً . لانه لا يمكنني ان احصل على اية معلومة مفيدة من راعي —- مع انني أعشق هذه المهنة الأرقى بين المهن ، وقد مارستها ، كيف لا وهي مهنة الأنبياء — ، لكن صاحب هذه المهنة لا يمكنه ان يفيدني في مجال الاستثمار بالالكترونيات او المولات ، لأنه لا يعرف حتى معنى كلمة مول ( Mall )، فكيف يمكنه ان يعطي رأياً صائباً في اختيار الموقع ، وهل هو جاذب ام لا !؟ ولن يتمكن من تحديد حجم الاستثمار ، ولا الاليات التي سيتم اتباعها لخلق عناصر جذب للزبائن ، ولن يتمكن من تحديد ال ( Payback Period ) فترة الاسترداد ، ولا معدل الفائدة على العائد او العائد على الاستثمار ( Interest Rate Of Return ) …. الخ
هذا ما يحصل في الأردن حقاً ، من لا يعلمون يُفتون بما يجهلون . كيف يتم اختيار من ولدوا ، وترعرعوا ، وشابوا ، الى ان وصلوا الى مرحلة الشيخوخة ، ولم يسمعوا ، ولم يقتنعوا ، وربما لم يقرأوا على الاقل عن الديمقراطية الحقيقية ، لا بل عاشوا وترعرعوا ، وساهموا في تطبيق الديكتاتورية ، واحترفوا زيف الادعاء عن الممارسة الديمقراطية . انا هنا لا اتهجم ، او احاول ان أُسيء الى احد ، على المستوى الشخصي ، لانني احترم كل الناس ، باستثناء غير المحترمين . لكنني هنا أُقيّم اداءاً عاماً ، يتأمل الناس ان يكوِّن نقلة في تاريخ الاردن الديمقراطي ، تمهيداً للانتقال الى المئوية الثانية (( اذا ظلينا !؟ ))، لأننا ظللنا ، وما اهتدينا .
الديمقراطية فكر انساني حضاري ، فكيف لمن لا يعرفه ان يدعيه !؟ الديمقراطية نهج حياتي راقي ، يُشيع العدالة ، وتساوي الفُرص ، و يحترم كل الناس ، ويساوي بينهم ، ولا أفضلية لأحدٍ منهم على الآخر ، ويحافظ على حقوقهم ومكتسباتهم ، وحرياتهم مصانة ، وكراماتهم فوق كل اعتبار .
فاقد الشيء لا يعطيه . والجاهل بالشيء يرى انه يتعامل مع مجهول ، لا يعرف كُنهه ، ولا كيفية التعامل معه ، واذا حاول تقليده تراه كما الغراب الذي حاول ان يُقلِّد مِشية الحمامة ، فلم يستطع ، وحاول العودة الى مِشيته فلم يستطع أيضاً (( فتعرقل )) .
كيف لمن وُلِدوا في بيوت أسست الديكتاتورية ، ورعتها ، وحرصت على تطبيقها ، ومارستها ، وشَبَّوا عليها ، وأتاهم الدور ليطبقوها ، فطبقوها وتجبروا بتطبيقها . كيف لهم ان يدَّعوا الديمقراطية ، وينظِّرون فيها ، ويتم تكليفهم لوضع الخطط لتطبيقها !؟ من شَبَّ على شيءٍ شاب عليه . ومن مارس الديكتاتورية لا يمكن ان يكون ديمقراطياً . لان الديمقراطية تفرض المحاسبة ، والرقابة ، والتقييد لتجنب الانحراف ، لأن الديمقراطية لا تعني الإنفلات كما قد يظن البعض . وهم تعودوا على اطلاق اليد ليعملوا ما يروق لهم دون رقيب ولا حسيب . قال برناردشو :- (( نِصفُ المعرفة ، أكثر خطورة من الجهل )) .
وطننا أصبح مرتعاً للتناقضات . واللامنطق أصبح هو السائد . واللامعقول هو الطافح على السطح . والغالبية لا يعترفون بانهم مصابون بالشيزوفرينيا . وطننا الحبيب أصبح يمتلك كل العناصر الطاردة لأهله وشبابه . فلا عدالة ، ولا عمل ، ولا رفاه ، ولا حياة ، ولا مستقبل . طيورنا المهاجرة كثُرت اعدادها ، لان الوطن ، لم يعُد وطناً حقيقياً ، بل مكاناً خصباً لكل التناقضات في السلوك الانساني . وأختم :-
لا تسألوا الطيور لماذا غادرت أوطانها ، بل إسألوا الظروف التي اجبرتها على الرحيل .