مرَ اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني مروراً سريعاً وكأنه منخفض جوي ضحل، حيث بعض البرد دونما مطر.
ذلك أن التضامن مع فلسطين وحق شعبها بالانعتاق وبالحرية وإنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، تحول على الصعيدين الدولي والعربي إلى شعارات باهتة، يتم ترديدها دونما إرفاق ذلك مع فعل حقيقي لتحقيق ولو بعض من مضمون تلك الشعارات!!.
فإسرائيل وأمام أعين العالم والعرب، تتنكر علناً، «قولاً وفعلاً»، إلى كل القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، على اختلافها وعلى درجة أهميتها، بل وترفض حتى ولو من باب التكتيك، مبدأ الدخول في مباحثات سلام مع الجانب الفلسطيني!! وبخطِ موازِ فسلطات الاحتلال لا تتوقف عن قضم الأراضي، وبناء المستعمرات، وطرد الفلسطينيين من بيوتهم كما هو الحال في الشيخ جراح وأبو ديس، وآخرها البدء بإنشاء مستعمرة ضخمة على أرض مطار القدس/قلنديا، بل وتزحف للاستيلاء على المقدسات، وعلى أراضي الوقف الإسلامي وملكية الكنائس سواء بسواء!!?.
كل ذلك وآلة القتل الصهيونية العنصرية مستمرة في سفك دم شعب أعزل ومحاصرته في مدنه وقراه ومخيماته، إضافة إلى سجونهم التي تضم أكثر من ما يزيد عن خمسة آلاف أسير بعضهم يقضي في السجون ما يزيد عن ثلاثين عاماً.
وإن حناجرهم لا تنطق إلا بشعارات عنصرية «الموت للعرب»، «العربي الجيد هو العربي الميت»، «مكان العربي هو في المقابر». هذا دون أن يتحرك المجتمع الدولي أو العربي ويكتفي بين الفينة والاخرى بإطلاق بعض إدانات خجولة لا تقدم ولا تؤخر!..
***
هذا هو الواقع على حقيقته، فالعالم يبدو – وكأنه قد استسلم لقبول إسرائيل كما هي، دولة مارقة عنصرية دينية متشددة رافضة لحقوق الآخر و رافضة للاعتراف بكل المعايير القيمية والأخلاقية الإنسانية، بل وبكل ما صدر من هيئة الأمم من قوانين ومن قرارات تؤيد إنها الاحتلال وتؤكد حق الشعب الفلسطيني في الحرية وتقرير المصير.
إلا أنه ومع كل هذه البيئة المتخمة بالتلوث السياسي والانحراف عن الحق ودعم المعتدي، فإن الشعب العربي الفلسطيني له من يؤيده، وأن الشعب العربي في كل الأقطار، لا يلتفت إلى أي استحقاقات فرضتها الوقائع الدولية ومعطيات السياسة، فهي مآلات معزولة، ولن تدفع العربي لأن يقبل بإسرائيل بطبعتها العنصرية، ولن يقبل بالاحتلال، ولن يقبل بالتنكر للحقوق الفلسطينية، وهو ما نشاهده على امتداد ساحات الوطن العربي من الكويت وحتى موريتانيا وما بينهما.
وإن العرب، وإن كانوا قد انشغلوا في العشرية الأخيرة بهمومهم وقضاياهم وحروبهم الداخلية، فان تلك مسألة مؤقتة، وسوف تبقى القضية الفلسطينية- وحال تعافي الجسم العربي- هي المادة اللاصقة التي يجمع عليها العرب، وهي طريقهم لأن يعيدوا احياء مفهوم أمنهم العربي، فالأمن العربي سوف يبقي مكشوف الظهر إن لم تكن فلسطين في صلب اهتمامه..
***
إلا أن ما يجب أن يقال إن واحدة من أسباب تراجع مكانة القضية الفلسطينية، الانقسام والتشرذم السياسي والجغرافي والإداري القائم منذ سنوات طويلة، والذي يتطلب من القيادات الفلسطينية تجاوز القضايا الخلافية، لأنها تبقى هامشية مقارنة بالتناقض الرئيسي مع الاحتلال، وهو ما يقتضي ضرورة إعادة اللحمة للجسم الفلسطيني وفق برنامج مرحلي عنوانه انهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية.
وبتقديري إن خطوة من هذا النوع، تحتاج إلى تنازلات جريئة من كل الأطراف، وأنها سوف تسجل في تاريخهم كنقاط مضيئة، ذلك أنّ من شأن انهاء الانقسام وتهميش الخلافات والتناقضات الداخلية لجهة التناقض الرئيسي مع الاحتلال، إعادة الألق للقضية الفلسطينية على الصعيدين العربي والدولي، خصوصاً إذا ما اقترنت وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة مؤسساته بشكل من أشكال المقاومة، كما هي الانتفاضة الأولى على سبيل المثال.
وبعد، نثمن خطوة الجزائر بجمع الأطراف الفلسطينية كافة في محاولة لإنهاء الانقسام.