فيديو .. سيرة ” السيد ” العلامة الشيخ احمد الدباغ

26 يونيو 2022
فيديو .. سيرة ” السيد ” العلامة الشيخ احمد الدباغ

* عمل عطارا وقاضيا شرعيا ومدرسا لمادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية
* كان له دور كبير في نشر الصحوة الإسلامية في قضاء الطفيلة وما حولها وعاش زاهدا في عمله وعلمه


صراحة نيوز – شكلت الطفيلة خلال تاريخها الطويل، نقطة عبور واستقرار، فقد جذبت قبائل ورجالاً استعذبوا الإقامة فيها، لفرادة موقعها، وخصوبة تربتها وغناها بمصادر المياه، وهذا ما جعلها مركزاً حضارياً في فترات كثيرة، وهذا الغنى الديموغرافي عم الديار الأردنية منذ فجر الحضارة حتى اليوم، حيث يعد الشيخ الفقيه أحمد مسعود الدباغ حالة ممثلة لكل ذلك، فهو من أبرز علماء الأمة الأجلاء، جمع في سيرة حياته الشخصية والعائلية، الوطن العربي من المغرب العربي، حتى الحجاز في الجزيرة العربية، حيث كان الناس يتنقلون في أرجاء الوطن الكبير، دون أن يوقفهم حاجز أو تزعجهم مسافة مهما طالت، وهذا ما وهب المنطقة حالة من الثراء الفكري والثقافي، الماثلة شواهدها إلى يومنا هذا.
ولما كان الأردن على طريق الحرير، وبوابة الجزيرة العربية، وطريقاً للحج، فإن ذلك منحه أهمية متجددة لموقعه الجغرافي، فكان دوماً ملتقى للحضارات الكبرى، وأرضاً للتنوع الثقافي والعرقي.


الشيخ الدباغ هو أحمد بن مسعود الدباغ الحسني، الذي يعود بنسبه للحسن السبط بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، كما ترجم له الباحث والروائي سليمان القوابعة، في كتابه « الطفيلة: تاريخها وجغرافيتها/ الجزء الثاني « والذي رفدنا بمعلومات إضافية لمعرفته الشخصية بالشيخ الجليل.
وكان أحمد مسعود الدباغ المولود في المدينة المنورة عام 1882 يلقب بالشيخ السيد احتراماً له، ولارتباط نسبه بالسادة الأشراف، فقد أنتشر كثير من الأشراف في الديار الإسلامية، كدعاة وفقهاء متبصرين بأمور الدين، يدعون الناس ويشرحون لهم أمور دينهم ويساعدونهم في قضاياهم الدينية والدنيوية، وقد وصل عدد منهم إلى شمال أفريقيا، متنقلين بين أمصارها ومدنها، من ليبيا وتونس والجزائر حتى المغرب. كانت رحلة جد الشيخ أحمد الدباغ، الذي وصل مدينة فاس المغربية، بعد أن تنقل بين المدن في المغرب العربي الكبير، فأستقر في فاس، منظماً إلى علماء الزواياً يعلمون الوافدين إلى دور العلم، من النيجر ومالي والسنغال ونيجيريا وغيرها، فتأثر الجد بالمذهب المالكي السائد في المغرب والتزم به.
نشأ الشيخ أحمد الدباغ في المدينة المنورة مسقط رأسه، بعدما عاد إليها والده مسعود من فاس، ليقيم بموطنهم الأصلي في المدينة المنورة، الزاخرة بالحلقات العلمية وبيوت التعليم، وقد تولاه بالرعاية بعد وفاة والده زوج أمه، وفي تلك الفترة تلقى دروسه العلمية على يد عدد من شيوخ المدنية، وبعد أن أنهى هذه المرحلة تمكن من الالتحاق بدار المعلمين في المدينة المنورة، بعدها تعلم أصول العطارة، حيث عمل عطاراً لفترة من الزمن، وقد ساعدته هذه المهنة في تدبير شؤونه المالية في العيش، ولم ينقطع عن العلم والعلماء، حيث عمق صلاته بالعلماء في مكة والمدينة والطائف، فكان يؤم مجالسهم، ويتحاور معهم في القضايا الدينية والدنيوية، وقد انتشر خبر علمه وراجحة عقله، واشتهر اسمه في الحجاز، حتى لفت أنظار قاضي قضاة مكة المكرمة، الذي أدرك جدارته وقدرته العلمية، فقام بتعيينه قاضياً شرعياً في بلدة العقبة ومحيطها، من خلال مرسوم رسمي، حيث كانت العقبة تتبع إمارة الحجاز، وقد تزامن تكليفه هذا مع اندلاع معارك الحرب العالمية الأولى، وتميز عمله في القضاء الشرعي في العقبة بالمسؤولية العالية، موظفاً علمه ومعرفته وخبراته الكبيرة، حيث كان بالإضافة لكل ذلك كيّساً فطناً.
عندما تم إنشاء إمارة شرق الأردن، بُعيد سقوط الحكومة العربية في دمشق، والتي قامت بعد نجاح الثورة العربية الكبرى، عمد الشيخ الدباغ إلى الإنتقال إلى عاصمة الدولة الفتية عمّان، واتصل بالأمير عبد الله بن الحسين، الذي كان يعرفه تمام المعرفة، وقد عرض عليه الأمير العمل في القضاء الشرعي، بعد ما حققه من سمعة طيبة في العقبة، لكن الشيخ اعتذر عن عدم قبول العرض، لإدراكه أن القضاء الشرعي عمل فيه من المسؤولية الشيء الكثير، وهو دائماً يخشى الخطأ والوقوع في الزلل، مفضلا العمل في التعليم، وأن يسهم في تعليم الأجيال القادمة، فاستجاب لطلبه أمير البلاد، وعينه معلماً في قرية الطيبة في الكرك، لكنه لم يطل الإقامة فيها، بعد قامت بينه وبين أحد سكانها خصومة، فتظلم للأمير الذي نقله إلى مدينة الطفيلة بناءً على طلبه، وفها أصبح معلماً في مدرسة الطفيلة للبنين، وكان يدرس فيها مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية، وقد تخرج على يديه عدد من كبار رجالات الطفيلة، الذين لعبوا دوراً وطنياً بارزاً.
تميز الشيخ أحمد الدباغ خلال عمله في التدريس، بأسلوب يعتمد التشويق والإثارة، فهو لا يؤمن بالعقاب القاسي، لكنه عرف بصرامته في الصوت والملامح، مخفياً رقة القلب التي اتصف بها، فقد كان محبوباً من طلبته، ومهاباً ومقدراً من الجميع، حيث واصل عمله مدرساً في مدرسة الطفيلة، حتى أحيل على التقاعد في عام 1945، بعد خدمة طويلة تميزت بالجدية والإخلاص والاجتهاد، لقد تحول مع الأيام إلى مكوّن أساسي في الحياة التربوية والدينية في مدينة الطفيلة، وكان يقصده الطلبة والأهالي في أي وقت من الأوقات، حيث حظي بمكانة اجتماعية كبيرة بين الأهالي.
لم يركن الشيخ أحمد مسعود الدباغ للراحة والدعة، فقد كان محباً للعمل، راغباً في مساعدة الناس، في التربية والتوعية، وتبصير الناس بأمور دينهم، ونظراً لما حصله من علوم وخبرات، وما تميز به من ذكاء وفطنه وتوخي العدل، فقد وجه شيوخ ووجهاء ومخاتير الطفيلة رسالة إلى جلالة الملك عبد الله الأول ابن الحسين عام 1946، يطلبون فيه تعيين الشيخ الدباغ قاضياً للقضاة، كون الطفيلة تحتاج إلى من ينهض بهذه المسؤولية، أسوة بباقي مدن المملكة، فاستجاب جلالة الملك لمطلبهم، وهو الذي يعرف تماماً قدرات الشيخ في مجال القضاء الشرعي، فعينه قاضياً للقضاة في الطفيلة، وقد أظهر عمله الجديد في القضاء، نجاعة ما ذهبوا إليه، فاكتسب مزيداً من الاحترام والتقدير، حيث قوبل أحكامه الشرعية بالثقة والارتياح.
سعى الشيخ الدباغ للمساهمة في مساعدة المجتمع الريفي، الذي يعاني من تفشي الأمية وهيمنة الأعراف المتداولة، ليتحول ولو بطيئاً إلى مجتمع مدني، من خلال عمله على تأسيس ” نادي الفضائل ” بمساعدة من أبناء الطفيلة المتنورين، حيث لعب هذا النادي دوراً مؤثراً، في التوعية والتثقيف من خلال أنشطته المختلفة، وقد اختير الدباغ رئيساً للنادي بالتزكية، وخلال رئاسته للنادي عمل على استقطاب عدداً من أصحاب الفكر من أبناء المدينة، وكان ينظم الجلسات الحوارية، في مختلف المجالات: الدينية والثقافية والفكرية، وكل ما يهم الناس خاصة الشباب. ومن الأنشطة الفريدة التي كان يقوم بها، زيارته الأسبوعية للسجناء، يلتقي بهم يعظهم ويرشدهم إلى سبل الصلاح، وكيفية عودتهم إلى الطريق السليم.
كان بيته في الطفيلة القريب من مسجده، بمثابة صالون يلتقي في الأهالي، من أجل فهم كثير من المشاكل والقضايا التي تواجههم، وكان يفسر ويشرح، ويقدم الحلول والمشورة، ولم يكتف بذلك، بل كان يقوم برحلات كل فترة إلى الفلاحين في القرى البعيدة، مشياً على الأقدام أو على دابة برفقة أحد الأصدقاء، ليقوم بدوره الذي اختطه لنفسه، فيرشدهم ويعظهم ويجيب على أسئلتهم، ولم يكن يبخل عليهم بشيء من المعرفة، وعرف عنه عمله على تغيير أسماء رجال غير متفائلة، ويستبدلها بأسماء ذات فأل طيب، وعندما يتأخر المطر، كان يتقدم الجموع بوجود الأطفال والماشية، في صلاة الاستسقاء، وغالباً يستجاب لصلاتهم ودعواتهم.
ويبدو أنه احتفظ بطريقته الصوفية، التي ورثها عن والده القادم من المغرب، وكان له مريدوه من مناطق الأردن كافة. كان للشيخ أحمد الدباغ علاقة حسنة بسمو الأمير الحسن بن طلال، وقد ترك مكتبة خاصة تضم كتباً قيمة، تم التبرع بها لمكتبة الجامعة الأردنية

وقد قرر تأليف كتاب موسع عن الأحاديث النبوية الشريفة، لكن تعدد المهام والأنشطة التي يقوم بها، حالت دون تمكنه من تنفيذ مشروعه.
وتزوج الدباغ ثلاث نساء، الأولى توفيت قبل وصوله الطفيلة، أما الثانية فقد كانت من جزيرة جاوا، وقد توفيت في الطفيلة ودفنت فيها، أما الثالثة فمن الطفيلة وقد أنجبت له خمسة أولاد وثلاث بنات.
عرف عنه حبه العميق للطفيلة، التي يعدها أرضاً مقدسة محاطة بمقامات عدد من الصحابة الأجلاء، وعندما أحس بدنو أجله ارتحل عند ابنته الكبرى في الرياض، حيث توفي هناك عام 1974، ودفن في الرياض عن عمر ثلاثة وتسعين عاماً، وتخليداً لذكراه الطيب فقد أطلقت وزارة التربية والتعليم اسمه على مدرسة في الطفيلة وهي ” مدرسة الشيخ أحمد الدباغ الأساسية للبنين ” يطلُّ عليها مسجده وبيته.
عدة مصادر

الاخبار العاجلة