صراحة نيوز – بقلم فيصل الفايز
بداية ونحن نتحدث عن انطلاقة المئوية الثانية من عمر الدولة الاردنية الحديثة، من حقنا أن نفخر ونرفع رؤوسنا عاليا لتعانق السماء، بهذا الوطن الأردني الهاشمي العروبي، الذي بناه قادتنا الهاشميون ومن خلفهم الآباء والأجداد وشعبنا الأردني المعطاء. وبالإرادة القوية ومواجهة التحديات بعزم لا يلين، استطعنا بناء الوطن الأنموذج، فأصبح اليوم وطن الفخار والعز والكبرياء، وأصبح وطننا حرا سيدا، ورغم التحديات التي واجهت الأردن، ألا أنه كان يخرج منها أكثر قوة وتماسكا ومنعة.
لقد واجهنا تحديات عديدة منذ بدايات التأسيس للدولة الأردنية الحديثة، وذلك خلال سعينا نحو بناء الدولة وتشكيل الهوية الوطنية الأردنية الجامعة، واستطعنا بقيادة جلالة المرحوم الملك عبدالله الأول، مواجهة هذا التحدي بفضل حكمة وشجاعة جلالته ووعي الشعب الأردني، وبفضل وجود رجالات أقوياء حول العرش الهاشمي والزعامات العشائرية والوطنية القوية.
ومنذ عهد جلالة المرحوم الملك عبدالله الاول، واصل الأردن بشعبه الوفي وقيادته الحكيمة العمل الدؤوب، لترسيخ أركان الدولة الحديثة وبناء مؤسساتها الدستورية، ومؤسسة الجيش العربي المصطفوي، هذا الجيش الذي نفاخر به، فهو المؤسسة التي من خلالها ومن خلال المؤسسات الوطنية، تشكلت الهوية الوطنية الأردنية الجامعة، واستمرت عملية النهوض والبناء بمختلف القطاعات وخاصة الصحية والتعليمية، ولاستكمال السيادة الوطنية على كامل التراب الوطن الأردني، فقد تحقق الاستقلال بعزم الرجال الرجال، وبدأت عملية النمو والنماء تدور بسرعة رغم شح الموارد وقلتها، ورغم التحديات الاقتصادية والسياسية، استطاع الأردن استيعاب اللجوء الفلسطيني العام 1948 ” عام النكبة ” وصهره بالهوية الوطنية الجامعة، وواصل مسيرته الخيرة، بالعمل على تعزيز الحياة السياسية والبرلمانية وترسيخ الديمقراطية، وتوج ذلك ببناء المؤسسات الوطنية الراسخة ، ووضع أول دستور للمملكة، حددت فيه مرتكزات الدولة الأساسية ونظام الحكم فيها، والضمانات المتعلقة بصون الحقوق السياسية والديمقراطية للمواطنين، وتعزيز قيم العدالة والمساواة بينهم، وعلاقة المواطن بدولته وحقوقه ووجباته، والذي أكد أيضا أن الأردن جزء أصيل من أمته العربية.
وهنا ونحن نحتفل بمئوية مملكتنا الأردنية الهاشمية، لا بد من الإشارة إلى أن الأردن ومنذ التأسيس، كان منفتحا على هويته العربية ، لذلك سميت حكومته الأولى حكومة الشرق العربي، وجيشه الجيش العربي، ورئاسات الحكومة في البدايات كانت لشخصيات عربية.
وتواصلت المسيرة، وتعددت التحديات، ففي عهد جلالة الملك الباني الحسين بن طلال رحمه الله، واجه الأردن في خمسينيات وستينيات القرن الماضي تحديات المد الشيوعي والناصري واليساري، وتحدي اللجوء والنزوح الفلسطيني، ثم جاءت أحداث السبعين، واللجوء اللبناني والعراقي، وحرب الخليج الأولى والثانية والأزمة الاقتصادية العام 89، واحتلال الكويت والحصار الاقتصادي على الأردن العام 1990، ولكن بفضل حنكة وحكمة الراحل الكبير جلالة الملك الحسين، ومنعة قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، وإرادة شعبنا الحرة، استطعنا تجاوزها واستمر الأردن قويا عزيزا، والعرش الهاشمي أكثر رسوخا ومنعة، وواصلنا بناء الأردن الحديث.
وبرغم الأوضاع الإقليمية والدولية المتوترة أغلب الأحيان، والساحات المليئة بالألغام، والحرب الباردة والاعتداءات الإسرائيلية، فقد استطاع جلالة الراحل الكبير بحكمته وشجاعته الكبيرة، إدارة الدولة الأردنية وتوطيد أركانها، وتوجيه السياسات الداخلية والخارجية بما يخدم مصالحنا.
وما أشبه اليوم بالأمس، فمنذ أن تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني العرش، والأردن يواصل مسيرة البناء والتطور، وتطويع الأحداث الأقليمية والدولية، بما يخدم مصالحه ويحافظ على أمن الوطن واستقراره، رغم التحديات الكبيرة التي واجهته وتواجهه اليوم.
ورغم ما واجهنا من تحديات كبيرة منذ تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته، تحديات تمثلت باحتلال العراق والأزمة المالية العام 2008، والربيع العربي العام 2011 ، وانقطاع الغاز المصري والنفط العراقي، والحروب الأهلية في العديد من الدول العربية، وانتشار الإرهاب والتطرف، واللجوء السوري، وفشل مؤسسات العمل العربي المشترك، وتعثر عملية السلام، بعد سيطرة اليمين الإسرائيلي على الحكم في إسرائيل، واليوم جائحة كورونا التي أثرت في أوضاعنا المعيشية والاقتصادية، لكن رغم وقعها الأليم وانعكاساتها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، فقد استطاع الأردن بحنكة جلالة الملك عبدالله الثاني، ووعي شعبنا ومنعة أجهزتنا الأمنية وقواتنا المسلحة من تجاوزها، واستمرينا بالمحافظة على أمننا واستقرارنا، وحضورنا الكبير على الساحة الدولية.
وهنا لا بد من الإشارة، إلى أن الاوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة للمواطنين، وارتفاع نسب الفقر والبطالة والتي نواجهها اليوم، ما زالت تشكل تحديا لنا جميعا، هذا الواقع بات الجميع يعرف أسبابه، الداخلية والخارجية، والتي لا بد من مواجهتها بسرعة، وإيجاد الحلول لها، فالأمن الاقتصادي والاجتماعي يشكل أولوية وطنية، وهذا ما يؤكده جلالة الملك، الذي يسعي بكل جهد من أجل توفير المعيشة الكريمة لكل أبناء الوطن.
كما أن الوطن يواجه اليوم تحديات بسبب موقعه الجيوسياسي، ومنها الأوضاع الأمنية والسياسية التي تمر بها المنطقة، وصفقة القرن أو صفقة العصر، التي تتحدث عنها الإدارة الأميركية، وهذا موضوع بالغ الأهمية، وهناك تخوفات مشروعة من أن تكون له تداعيات على ثوابتنا الوطنية، وإيجاد حلول للقضية الفلسطينية على حساب الأردن، والذي يجب أن يدركه الجميع، هو أن الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، لن يتخلى عن ثوابته الوطنية، ولن يكون وطنا بديلا لفلسطين، الأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين، ولن نفرط أيضا بحقوقنا المتعلقة بعودة كل اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وتعويضهم، إضافة إلى مختلف القضايا المتعلقة بالمياه والحدود، فلاءات جلالة الملك الثلاثة واضحة: “لا للتوطن، ولا للوطن البديل، والقدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية خط أحمر”.
واليوم ونحن نلج بداية المئوية الثانية، أؤكد أنه بقيادة مليكنا المفدى سنواصل المسيرة بخطى ثابتة، نحو المزيد من التقدم والازدهار والرسوخ، ونواصل دورونا القومي ومواقفنا الثابتة، تجاه مختلف قضايا أمتنا العربية العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وسنواصل بقوة شعبنا وعزم قائدنا، الدفاع عن هذا الوطن الأغلى والأجمل، ليستمر أمننا مستقرا، وسنرخص الدم حفاظا على العرض والوطن، كما أرخصناه من أجل دفاعنا عن فلسطين وقضايا أمتنا العادلة، فدماء شهداء جيشنا العربي المصطفوي، سالت على كل شبر من أرض فلسطين، وأسوار قدسها وفي الجولان السوري، دفاعا عن شرف الأمة.
وللحفاظ على كل منجز وطني حققناه، بالتضحية والفداء والعرق والجهد، وعلى إرث الأباء والأجداد، ومن أجل مواصلة المسيرة، والاحترام الدولي الذي نحظى به ويحظى به قائدنا المفدى، فإنني أشدد على المحافظة على هويتنا الوطنية الجامعة لندخل المئوية الثانية من عمر الدولة ونحن أكثر منعة وقوة، وأدعو للتصدي بقوة وحزم لمحاولات العبث بنسيجنا الاجتماعي، وأقول لدعاة الفتنة والمشككين بوحدتنا ومنعتنا وقوتنا، إن الأردنيين لن يقبلوا بالتفريط بوطنهم وترابه الطهور، وجميعهم يقفون خلف جلالة مليكهم، فهو رمزهم وقائدهم الذي يفتدونه بدمهم وأرواحهم، وهذا هو ديدنهم على الدوام، إذ يرخصون الغالي والنفيس من أجل الوطن وقيادة الهاشمية.
وفي هذه المناسبة فإننا نهنىء شعبنا وقائدنا جلالة الملك، ونؤكد أننا سنبقى الجنود الأوفياء للعرش الهاشمي والوطن، وندعو المولى عز وجل أن يحفظ وطنا وقائدنا، ويعيد علينا هذه المناسبة والوطن ينعم بمزيد من التقدم والازدهار وهو آمن مستقر .
*رئيس مجلس الأعيان
يومية الغد