صراحة نيوز – بقلم عبد الحسين شعبان
تلتقي نحو 50 شخصية سياسية وفكرية وثقافية وأكاديمية عربية في جامعة الدول العربية لإطلاق مبادرة تأسيس «مجموعة السلام العربي» التي عرّفت نفسها بأنها «منظمة مدنية غير حكومية مستقلة وغير ربحية». وشرعت المجموعة بنشاطها الأول في عام 2018، خصوصاً وأن السلام ونزع فتيل الحروب والنزاعات الأهلية وإطفاء بؤر التوتّر أصبحت حاجة ماسة وضرورة لا غنى عنها، بسبب ما تعانيه دول عربية من نزاعات وحروب وفتن وتفتت، يهدّد الدولة الوطنية والأمن القومي العربي، ويشجّع القوى الإقليمية والدولية على التدخّل في شؤونها.
وأعلنت المجموعة في بيانها الأول أن هدفها هو نشر ثقافة السلام والتسامح واللّاعنف، بما يساعد في تحقيق التنمية الإنسانية الشاملة والمستدامة، بتعزيز العمل العربي المشترك وتطوير مؤسساته. كما أعربت عن رغبتها في السعي للقيام بمبادرات بنّاءة من خلال «دبلوماسية وقائية»، و«دبلوماسية شعبية» مكمّلة للدبلوماسية الرسمية ومشاركة لها لتعزيز الإرادة في بناء الثقة المتبادلة وحل النزاعات بالطرق السلمية، وبمشاركة الأطراف جميعها، واستخدام الآليات الدولية الخاصة بالوساطة والتوفيق والحوار، استرشاداً بالمواثيق والإعلانات العربية والدولية، وتشجيع الجهود الرامية لتحقيق المصالحات العربية، وضمان ديمومتها. وبالفعل باشرت المجموعة بالتحرك مع أطراف النزاع في العديد من البلدان العربية.
ولما كانت الحروب تصنع في العقول، فإن حصون السلام لا بدّ أن تُبنى في العقول أيضاً، حسب دستور «اليونيسكو»، لذلك فإن مبادرة من هذا النوع ستكون أحد روافد المبادرات السلمية على المستوى الدولي ،لأن قضية السلام العالمي كانت، ولا تزال تهدّد المجتمعات البشرية جمعاء، بل يمكن اعتبارها القضية الأولى في العالم في ظلّ خطر الحروب النووية والكيمياوية والبيولوجية، إضافة إلى أنواع جديدة من الأسلحة يفوق تأثيرها الأسلحة التقليدية المعروفة.
وارتبط غياب السلام وإثارة النزاعات الأهلية والحروب وانتشار بؤر التوتّر بتفشي ظواهر الإرهاب العابر للحدود، وصعود تيارات متعصّبة ومتطرّفة، سواء في بلداننا، أو في الغرب، في إطار شعبوية دينية وطائفية حاولت استخدام التعاليم الإسلامية بالضدّ منها في قراءة ماضوية لا علاقة لها بالدين، بل في محاولة لتفسير بعض النصوص الدينية، أو تأويلها، بما يخدم أهدافها السياسية. وفي الغرب تسلّقت الجماعات المتعصّبة والمعادية للأجانب بشكل عام، وللعرب والمسلمين بشكل خاص، سلّم المنصات السياسية، وبثّت ذعراً عنصرياً بالتحذير ممّا سمّي بالعنف والإرهاب والتخلّف الإسلامي في إطار مقاربة يطلق عليها الإسلاموفوبيا، أي «الرهاب من الإسلام» مقابل الويستفوبيا أي «الرهاب من الغرب».
ولعلّ غياب العدالة والتفاوت الصارخ في الثروة وانحدار أوساط غير قليلة إلى حافة الفقر أو ما دونه، دفعت العديد من البلدان إلى احترابات داخلية ونزاعات محلية ليست بعيدة عن التأثير الخارجي، الإقليمي أو الدولي، ضمن مشاريع سياسية للهيمنة وفرض الاستتباع.
ويوضّح تقرير صدر عن منظمة «أوكسفام» الخيرية في بريطانيا (يناير/ كانون الثاني 2019) أن نصف سكان العالم تقريباً، يعيشون بأقل من 5 دولارات في اليوم، وأن قيمة أجورهم في تناقص، خصوصاً في ظلّ غياب نظام حوكمة رشيدة، حيث تفعل العولمة فعلها من خلال التبادل التجاري بالشروط التي تفرضها القوى الكبرى وشركاتها العابرة للقارات، ومتعدّدة الجنسيات (ما فوق قومية).
وقد تفاقم هذا الوضع بعد اجتياح فيروس كورونا منذ عام 2020 وإلى اليوم، وازداد الأغنياء غنى، والفقراء فقراً، فما بالك حين يكون عدد من البلدان العربية أنهكتها الحروب والنزاعات المسلحة وانسداد الأفق السياسي والكوارث الاجتماعية والاقتصادية جرّاء ذلك.
ولعلّ من أهداف مجموعة السلام للخروج من هذا المأزق بعيداً عن الانحيازات السياسية والتخندقات الإقليمية والدولية هو التوصّل إلى وقف الحروب والنزاعات وإطفاء بؤر التوتّر، من خلال الاتصال بالأطراف كافّة، ودعوتها لبدء حوار شامل يكون عاملاً إضافياً ضاغطاً من جانب الرأي العام، خصوصاً أن عدداً من الشخصيات شغل مسؤوليات سابقة في حكوماته وفي عدد من المنظمات الدولية مع جهد متميّز لنخبة من المثقّفين والأكاديميين والعاملين في الحقل العام.
ولهذه الأسباب تنادى عدد من المهمومين بإقامة السلام شرطاً أولياً للتنمية، وعنصراً أساسياً للنهضة العربية المنشودة، بصفتهم جهة غير منحازة، وما يشغلها هو الاستقرار والسلام وصولاً إلى المصالحة.
إن مؤتمر «القاهرة» لمجموعة السلام العربي هو مناسبة جديدة لإعلان شراكة بين مؤسسات المجتمع المدني وبين الحكومات، بما يساعد في تكاملهما لتحقيق الأهداف المشتركة باعتبار قضية السلام مسألة محورية، ومدماكاً أساسياً للتنمية والتقدّم على المستويين، الفردي والجماعي.
drhussainshaban21@gmail.com