شَعبي نَسّاي ، نَسّاي ، على وزن أغنية الفنانة / سميرة سعيد ، التي تقول فيها : حبيبي نساي ، نساي . أستغرب ، إستغراباً شديداً في سلوك الشعب الأردني العزيز على قلبي . حيث يَنشَدِه ، ويَفغَر فَاهه عند كل فاجعة تحِل بالوطن الحبيب ، وتحصد ضحايا أبرياء بالجملة ، هذا عدى عن الإصابات التي تعد بالمئات . وما أتنبأ به ان شعبنا العزيز (( سيجلطني ، ويجلط كل المتابعين الشرفاء لإنهيار الوطن ، لأن الوطن بتقلى ، والشعب بتفلى )) .
كارثة الإنفجار الذي وقع في ثغر الأردن المكفهر الحزين ، ليست مُفاجِئة ، ولا مُفاجَأة ، أبداً . عقلانياً ، ومنطقياً ، هي ليست أكثر من حلقةٍ من حلقات تراجع مستوى الأداء ، والضبط ، والإنضباط ، والإنتماء للوطن ، والصدق في العطاء ، وأداء الواجبات بالشكل الأمثل ، ليريح ضميراً مُتيقضاً ، إذا كان هُناك ضمير أصلاً . نعم هي حلقة من تردي الأداء في كل مفاصل الدولة ، وفي القطاعين العام والخاص . عندما يتهاون مسؤول غير كفؤ ، وغير منتمٍ — قيد أنملة — علينا ان نتوقع ان يتهاون الموظف (( فَحْجِه )) ، والفحجة تقارب الياردة او المتر ، حسب طول أرجل (( الفَحّيج )) .
أيها الشعب الأردني الذي كان عظيماً . وضعكم مكشوف في إفتعال الإنفعال ، والخوف على الوطن ، ورفض إستمرار الكوارث التي بدأت تتكرر وتقتل بالدزينة وأكثر . لأنني منكم ، وأنتمي إليكم ، وهمكم همي ، ومصائبكم مصيبة تصيبني ، أود ان أُعريكم أمام أنفسكم – حتى لا تتنافحوا (( طرباً !؟ )) — وأُذكركم ، اذا كنتم نسيتم ، مع انني واثق جداً بانكم تتناسون ، ودرجة ثقتي هذه متأكد منها أكثر من تأكدي من إسمي ، لأن والدي رحمة الله عليه ، ربما سمّاني أولاً (( عبطان )) او كان يود ذلك ، لكنه إستجاب لرغبة إبن عمّه المرحوم الشيخ / عبدالله عبدالرحمن مسلم الملاحمة ، لسببين الأول : لأنني وُلِدتُ في دارهم ، وثانياً : لعلي أكون عِوضاً لوالدتي رحمها الله ، لأنها انجبت قبلي أربعاً وتوفاهم الله .
من مِنكم يا أردنيين يطاوعه قلبه ان ينسى ضحايا مستشفى السلط !؟ في جائحة كورونا ، والسبب ، إهمال في متابعة مخزون الأكسجين ، هل هناك تعقيد او صعوبة في أداء هكذا مهمة وظيفية !؟ من منكم بين ضلوعه قلب يخفق ، ويتمكن من نسيان ضحايا طلبة او ورود البحر الميت ، والسبب عدم متابعة تقلبات الطقس … وغيرها الكثير . وحتى أُخفف عليكم ، وأزيد حُرقتي وألمي أنا وأقاربي ، سأسرد لكم قصة وقعت قبل اكثر من عقدٍ من الزمن : كان لي إبن عمّه ، وإبن إبن عمّي ، المرحوم / محمد عبدالحميد فلاح الملاحمة ، كان يعمل مُراقِب أسعار السوق ، في وزارة الصناعة والتجارة ، بعد إلغاء وزارة التموين — رضوخاً للأمريكان — وكان يتنقل في بك آب للوزارة ، وعجلاته الأربعة تالفة ، ويقطع به مسافات طويلة بين الكرك والعقبة للقيام بمهام عمله على أكمِل وجه ، وهو الرجل التقي النقي المعطاء الصادق المنتمي لوطنه ، طالب الوزارة عدة مرات بضرورة تغيير عجلات البك آب ، ولم يُستجب له ، وفي إحدى مهماته وهو عائد من العقبة الى الكرك إنفجر عدد من الإطارات ، وإنقلب البك آب ، (( وإنقلب غدانا على عشانا )) وتوفي محمد (( ابو ملحم )) ، تاركاً ورائه عائلة كاملة من البنين والبنات ، دون مُعيل ، وترملت زوجته الشابة قبل أوانها ، وأُمٌ ثكلى ، وأشقاء وشقيقات ، ومازلنا جميعاً نتجرع ألم فراقه حتى اللحظة .
أيها الشعب ، الذي كان عظيماً ، بدأت تصرفاتكم تصطبغ بفساد وإهمال ، ولا أُبالية ، وعدم إنتماء جزءٍ غير يسير من العاملين والمسؤولين في الوطن ، سواء في القطاع العام او الخاص ، وبعد مرور عقدٍ آخر من الزمن ، سيصبح ذلك يورث جينياً ، ويُنظر للإنسان الصادق المنتمي المستقيم بأنه مُتخلف ، لا بل ومنبوذ ، وقد بدأت إرهاصات ذلك بقوة ، وتسارع مُذهِلين .
كما انني أرى أيضاً ، ان سبب إفتعال التفاجؤ ربما يعود لسببين : الأول : إما ان الأردنيين تتراجع نسبة الذكاء والذاكرة لديهم . وثانياً : او انهم يُغَطّون على عجزهم لعمل شيء لإنقاذ الوطن ، او للتغطية على خوفهم من التأشير على مكامن الخلل التي طالت كل الوطن .
جريمة ، نعم جريمة العقبة ، وحدوث هكذا إنفجار كبير وخطير في موانيء حديثة الإنشاء ، أكاد أجزم انه إهمال . وربما الإهمال في عدم مراعاة تناسب الحبال للحمولة ، او لم يتم تفحص الحبال بشكلٍ دوري كما يجب ، وفق نظام ال (( Check List )) ، أي قائمة إستكشاف الأخطاء وإصلاحها . او ان المسألة لا تتعدى (( شَدّ بُرغي ، او صموله )) او التركيب كما يجب على مسننات معينة ، او .. او .
لأن لا المفاجأة ، ولا التظاهر بها ، يُفيدان الوطن ، ولا يُبعد الخطر عن الناس ، ولا يحمي الأرواح . الوطن ينهار بِرمتهِ ، والإهمال والفساد عشعش في كُل جنباته ، وإستوطن الفساد بكل أشكالهِ وتمأسس ، نعم تمأسس . رحم الله الذين توفوا في هذا الحادث الأليم ، والشفاء للذين أصيبوا ، وأعان شركاتنا على تحمل الخسائر والكُلف والأعطال والأضرار في الأرواح والموجودات ، خاصة ان وضعها ليس عَفِياً . مُكرراً : شطراً من بيت الشاعر / حيدر محمود : (( عفا الصفا .. وإنتفا يا مصطفى )) ، وبقية القول واضح وجليٌ عند كُلِ وطنيٍ شريف حصيف . لديّ الكثير ، لكنني من غبائي ، لا زلت على وطني أغير ، وأخاف عليه من المصير ، الذي ينحدر اليه بسرعة حتى انه يكاد يطير .