قبل أيام كان المنتظر فوزاً سهلاً للمنتخب الجزائري في أول مبارياته في بطولة الأمم الافريقية في الجابون أمام منتخب زيمبابوي، إلا أن الأداء والنتيجة كانتا أقل من المتوقع، وبرغم ذلك كان لافتاً تألق “رياض محرز” أفضل لاعب إفريقي في 2016، وأفضل لاعب قبلها بعام في الدوري الانجليزي الذي يحترف في أحد أنديته.
أنقذ “محرز” بروحه الوطنية الممتزجة بأدائه المتميز منتخب بلاده من الخسارة في أولى مبارياته بهدفين رائعين فخرج متعادلاً بشق الأنفس، وقد دار في ذهننا تساؤل كبير بعد ذلك، ترى كم يوجد في مجتمعنا من “المحرزين” المستعدين لتقديم كل طاقاتهم وخبراتهم وأفكارهم الابداعية المتميزة لسد الثغرات في أوطانهم والنهوض بها إلى أفضل المستويات، وكم منهم موجودين “خارج التشكيلة” مهمشين ومبعدين دون أي فرصة لتقديم مالديهم من أجل أوطانهم.
رأينا في العام 2016 ما تعرض له وطننا من إختراقات أمنية إستمرت حتى آخر أيام ذلك العام تاركة الأثر في قلوبنا جميعاً، وقد إنتظرنا كما غيرنا التعديل الوزاري لنرى مدى توافقه مع مطالبات الشارع فجاء متوقعاً في بعضه بعيداً عن التوقعات في بعضه الآخر، والحقيقة أننا لسنا معنيين بشخوص الوزراء أو أفراد عائلاتهم أو لباسهم وغير ذلك من الخصوصيات التي لا طائل من النظر إليها سوى إفراغ من يفعل ذلك من قيمته، فما يعنينا هو عمل الوزير وإنجازاته على الأرض خصوصاً والوطن يقف أمام تحديات تزيد يوماً بعد يوم، خارجية من قبل المتطرفين والارهابيين وكل المتربصين بالبلد وأهله الهادرين لكل دم فيه، وداخلية بجريمة وصلت لمستوى يدمي القلوب ومعايير وقيم أساسية في مجتمعنا تتلاشى عند بعض أفراده للأسف، وما جريمة الأمس من ذبح أحدهم لزوجته وبناته الرضيعات بسبب “خلاف لحظي” إلا دليل جديد على ذلك، وهو الأمر الذي ينتظر تكاتفاً من كافة المؤسسات والمسؤولين والوزارات وليس الداخلية فقط إضافة لرئيس الحكومة لتعزيز الأمن الوقائي في المجتمع ومحاربة أسباب هذه الجرائم قبل وقوع الفأس في الرأس.
ولأجل كل هذا نجد أنفسنا ملزمين من جديد بالمطالبة بضرورة إقرار مناهج وبرامج تعزز الحوار بين الثقافات وتقبل الاختلاف قبل أن نصل لمرحلة يقتل أحدنا الآخر لأنه نطق بكلمة واحدة تختلف عن كلماته، وهاهو مجلس النواب المفترض به الدفاع عن هموم وآلالام الشعب والعمل على التخفيف من إحتقانه ومتاعبه يتحول قبل أيام لساحة معركة وكأن أفراد الشعب إنتخبوا أعضائه ليخرج من بينهم من ينصب نفسه وصياً على الشعب بأكمله أو ينصب من يريد أميراً للمؤمنين أو يتطاول على جيش البلاد وحامي حدوده، والأسوأ أن يسجل 7 نواب فقط أسماءهم من أصل 130 نائب لمناقشة موازنة الحكومة، ويغيب 77 منهم عن جلسة المناقشة وكأن بعضهم يرسل لناخبيه رسالة مفادها: “لا تندهي مافي حدا”، وبعضهم الآخر غير معني بالأمر برمته وكأنه كمن زوجها ميت وممدود وذهبت للعزاء بعبود !
ليس هذا ما ينتظره المواطن أو يتأمله من مجلس النواب أو الحكومة بل ينتظر الحفاظ على الصورة المشرقة لبلادنا واحة للحرية والتعبير عن الرأي بعزة وكرامة، وقد رأينا جميعاً نتيجة سياسة العنف والاعتقالات وتكميم الأفواه في بلدان كثيرة ولكن تبقى البلاد لا تضيق بأهلها ولكن أحلام الرجال تضيق.
إن كنا نريد الحفاظ على مقدرات هذا الوطن وعدم السماح بتقديمه لقمة سائغة للارهابيين يتوجب علينا الحفاظ على وحدتنا الوطنية وإخراس كل الأصوات التي تعمل على شق صف الأردنيين وبث العنصرية والتفرقة فيما بينهم، والاهتمام بأبناء الوطن من المغتربين من آلالاف الطيور المهاجرة الذين أرغمتهم الظروف على الاغتراب وكثير منهم قادر ومستعد في أي وقت ومن أي مكان للمساهمة في بناء بلده ونهضته وخدمة أهله مهما تحمل من أجل ذلك، إضافة لضرورة الاهتمام بالسفارات الأردنية في الخارج وإداراتها للحفاظ على جودة خدماتها المقدمة لأبناء الوطن وتحسينها ومعالجة أي قصور فيها، فما ينتظره المواطن من الحكومة ومسؤولي البلاد هو تجسيد دعوة جلالة ملك البلاد أبا الحسين حفظه الله في خطاباته وأفكاره إلى ثورة بيضاء تحارب الفساد والفاسدين أينما كانوا، وتضع حداً للواسطة والمحسوبية والفتنة والعنصرية والتطرف في مجتمعنا، فمازال المواطن ينتظر رؤية الأفكار الابداعية وتواجد المسؤول بين المواطنين وتطمين مخاوفهم وقلقهم، لا أن يتعالى المسؤول على المواطن ويستهزأ بمخاوفه وأسباب قلقه وكأنه يمن عليه بما يقدمه له فمثل هذا كفيل بتدمير العلاقة بين المسؤول والمواطن وزيادة الفجوة بينهما، ولنتذكر يا دولة الرئيس عند تدارس أسباب لجوء بعض أفراد المجتمع للتطرف والارهاب أن تضييق الخناق على البطون والجيوب يفقد العقول قدرتها على التفكير السليم ومعرفة الصواب، فما يحتاجه الوطن هو المسؤول القادر على إتخاذ القرارات المؤثرة التي يستشعر إيجابيتها المواطن، وليس مسؤولين يجدوا أنفسهم في بحر من المهمات ثم يقولون لأنفسهم إياك إياك أن تبتل بالماء !
فسياج الوطن يحتاج للتحصين من الداخل قبل الخارج، وقد كانت أحداث الكرك وما قبلها جرس إنذار أظهر كما في كل مرة مدى حب الشعب وإستعداده لفداء وطنه وأهله والوقوف صفاً واحداً سياجاً للوطن مع قيادته وكل محب ومخلص فيه.
ومازال شباب الوطن يتوقعون من حكومة بلادهم العمل معهم لأجل تشجيع إبداعاتهم وإبتكاراتهم وأفكارهم، ونحن نرى في كل يوم قصة إبداع أردنية شابة قادرة على المساهمة في تحسين واقع بلادنا للأفضل لو تم دعمها بالشكل الحقيقي والمناسب، ومن هنا يبدأ الحل وليس بالاستمرار في نهج الضريبة التقليدي وإثقال ظهر المواطن برفع وراء رفع للأسعار، فمثل هذا الأمر لن يؤدي إلا لكسر ظهر المواطن في النهاية وهو الظهر الذي يسند سياج الوطن من الداخل.
ولا يمكن السماح بأن تبقى طريقة تعامل البعض مع التجاوزات والأخطاء في بلادنا مثل ذلك المسؤول الذي سرقت أوراق هامة من مكتبه فسألوا حارس البناية عن أوصاف السارقين فأجاب: لم أعرف لأن إمرأة سافرة مرت أمامي فغضضت بصري، فسألوا السكرتير عن أوصاف السارقين فقال: لا أعرف لأنني رأيت إمرأة عارية تدخل مكتبي فلم أرى وجهها، فسألوا المسؤول عن شكلها فقال: لا أستطيع وصفه فقد كان المكتب معتماً وهي تقف بظهرها العاري مقابل وجهي !
فسياج الوطن لا يمكن أن يحميه أي من هؤلاء، وإنما من يتعامل مع الوطن تماماً كما يتعامل مع بؤبؤ عينيه.
م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران