صراحة نيوز – بقلم فلحة بريزات
قبل أن نخوض في تفاصيل الحادث الذي أُشبع ضرباً وظهوراً ، فإن كل ما سيقال كذر للرمال بالعيون، لكنه لن يطفئ غضب أم فقدت أبنها، كما أنه لن يهدئ من روع طفل غادره أباه بفعل أخطاء تساوت والخطايا.
وحين يكون المرسل والمستقبل هو ذاته، فلن تريهم نظرة إلى الضفة المقابلة حجم خوفنا من المستقبل، وعلى المستقبل، وبأن الأسوأ في طريقه إلينا بعد أن ارتجلت الدولة في قرراتها، وتسلم زمام الإدارة أشخاص أحضرتهم وشوشات رافقها قرع للكؤوس على انغام ودندنة عود .
دوافع وطنية ومبرّرات موضوعية قادتني لتلك المقاربة، لذا أتمنى أن يتسع قلب الدولة (الغويطة)، وحكومة الظل، والحكومة منزوعة الهيبة لما سأتحدث به، وأن لا تضاف لنا نقاط قاتمة، نتاج ضيق بصيرة أحدهم أو معناة آخر من حساسية النقد، ففلسفة الشكوى بالاستهداف باتت تحضرعلى موائد القوم كلما ظهر خطاب لا يضيف سطراً مريحاً في سجل منجزاتهم.
في زخم الأحداث لا يخفى على متابع، بأن الأردن بمؤسساته السيادية وبكل لياقته يعمل على توثيق علاقة ولي العهد بالأردنيين، وهذا شأن له سياقاته الدستورية، لكن المواطن القابع في بئرالعوز، والباحث عن كسرة خبز لن يقف عند هذا الشأن كثيرا؛ لأن هناك راهناً مريراً يطغى على حاضره قبل مستقبله .
وحتى لا تكون الفقرة أعلاه خارج السياق؛ فالأخبار العاجلة تقول : “ولي العهد منذ اللحظات الأولى تابع الحادث، والأخبار المتكررة” وتنقل الصحف أيضا إن الأمير حسين يولي مدينة العقبة اهتماما خاصا، باجتماعات شبه دورية يرأسها علنية وسرية في سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة لمتابعة آليات تنفيذ خطة استراتيجية يقال عنها طموحة وتحمل رؤية شمولية لكل التحديات التي تواجه الثغر الباسم.
وهنا المفارقة، فبالرغم من هذا الكم الكبير من الاهتمام والمتابعة، جاء حادث رصيف النفط ليظهر أن كل ما حدث من كوارث، لم تترك اثراً عملياً لدى المعنيين لاحتواء اللواحق إن حدثت لا قدر الله.
ببساطة يعني ذلك بأن المسؤول في العقبة الخاصة، وامتداده الرسمي في عمان، لم يقف على أصابع قدميه لمعالجة كل جوانب الترهل القابعة في زوايا المؤسسات ،وأن حديث السرايا لا يتفق مع حديث القرايا، وإلا لخضعت مشكلات هذه المدينة صغيرها وكبيرها لقراءة ومعالجة ومتابعة في إطار عمل اداري غير خاضع لميزان البحث عن الشعبوية.
الأسئلة كثيرة ولها مبرراتها ومن بينها؛ هل خضع العاملون في المجمع الصناعي والذي يضم عشرات الشركات لدورات تدريبية تؤهلهم على قدرة التعامل مع هكذا لون من الحوادث؟ خاصة وقد شوهد أن بعض الموظفين يهرولون باتجاه كرات النار، ما يعني أن هناك غيابا ادراكيا للخطر.
وفي إطار المسؤولية الأخلاقية قبل الوجوبية هل وضعت المؤسسات ذات العلاقة خطة لتوعية سكان المدينة؟ ووضعهم بصورة المخاطر المحتملة وكيفية التعامل معها؟.
ليس بخافٍ على أحد أن المدينة تحظى بالاهتمام الرسمي منذ عقدين، لكنه اهتمام يشوبه نوع من المفاضلة، حيث طغت ملفات على أخرى، خصصت المدينة لتحمل اسم (منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة) ثم تَخصصت لتبيع ما يمكن بيعه، وتأجير ما لا يمكن بيعه؛ لتنثر الرمال ذهباً .
وكل ذلك له ما يسنده، وهو النهوض بحياة الأردنيين ، ووضع وطنهم على خارطة العالم السياحي.
طبيعي أن تعج الأخبار بسرعة الاستجابة من كوادر الأجهزة المختصة ، وغير الطبيعي أن تتكرر مثل هذه الكوارث من صنع البشر، ولكن وهذا الأهم أن الداخل وأعني المؤسسات ذات المسؤولية المباشرة، لا تملك خطط استجابة وإن امتلتكها لا ترقى لهذا النوع من الكوارث .
أين هي منافذ الطوارئ ؟! ولماذا لا يقبع أو يجاور المجمع الصناعي مركزاً طبياً متكاملاً؟ ألا يضم هذا المجمع الضخم كبريات الشركات التي يبنى عليها اقتصاد الوطن!.
تقول المعلومات إن المجمع عبارة عن منطقة مغلقة- بمعنى أنها منطقة محصورة- لها من المداخل اثنان : أحدهما للدخول، والآخر للخروج، والثاني مغلق بسسب أعمال تأهيل جسر قارب العمل به على العامين.
كان من الممكن أن تسافر الكارثة لتحط على أبواب هذه الشركات فيصبح تاثيرها أعمق، لو كان( الهوى) جنوبي حينها ستبث الرياح سمومها في كل الاتجاهات، فلكم أن تتخيلوا حجم الكارثة عند اخلاء العاملين من مسرب واحد .
ثم ماذا عن مخاطر (غاز الأمونيا) المنتشر في الجو على مدار الوقت ؟ هل سنفيق بعد أن تظهر أضراره على المدى البعيد حينها سنقول لو أن… .
في الفعل الوطني لا جديد يُذكر وأصحاب القرار سيفرضون السردية التي تعجبهم وسيطاح بمن لا ظهر له ، لأن الأكبر لا يمكن الاقتراب منه، فخصوصية خطر الاشتعال حاضرة، عنئذ ستضيع الرواية ما بين متلمس للأعذار وقابع تحت عبائة التزييف .
قد يتناسى المواطن على قصير المدى معاناته، فيتعايش مع تبعاتها مؤقتاً؛ لكن على المدى ما بعد القصير، سيولّد تطرفاً وهوة سحيقة، عندها لن تفيد كل حملات العلاقات العامة وتحريك الأخبار عكس اتجاه الريح .
بانتظار نتائج التحقيق التي كان من الأجدى أن لا تدور اللجنة في فلك الرسمي ، لكن إذا كان الأجل الوظيفي لبعض المسؤولين سينتهي ، فالأولى أن ترحل الحكومة للخروج من هذا الانكفاء ولو نظرياً .