كلنا جندي …!

24 مارس 2020
كلنا جندي …!

صراحة نيوز –

بقلم م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران

لعل بيننا من مازال تحت تأثير الصدمة بسبب ما يحدث في العالم اليوم، بعد أن توقفت ساعة الزمن ولم تعد الحياة تلك التي إعتدنا عليها فجأة، المدارس أغلقت والجامعات ومقار العمل ومراكز التسوق بل وحتى دورالعبادة تم إغلاقها، لا مطارات تعمل، لا فعاليات رياضية، كل شئ توقف وأصبحنا نسمع لأول مرة في حياتنا “الصلاة في بيوتكم” بعد أن أصبح الأسلم للجميع البقاء في البيوت !

كل شئ عشنا عليه توقف في لحظة، لحظة سيطر فيها كابوس مرعب أصبح يلف العالم بأسره، 1000 حالة جديدة في تلك البلد و100 حالة هناك، وحالات هنا وحالات هناك حتى تجاوزت حالات مرض الكورونا حتى كتابة هذه السطور 370 ألف حالة حول العالم، غادر منهم الحياة ما يزيد عن 16 ألف إنسان والأعداد في تزايد !

أمر يعتصر له القلب حزناً وألماً، ولكن ماذا نفعل وسط كل هذا ؟ وماذا بعد ؟ ومتى سنعود إلى حياة تعودنا عليها وأحببناها ؟ وهل علينا التسليم للرعب والخوف الذي بات ينتشر في كل مكان اليوم ؟

ولعل أجدادنا وكبارنا هم أفضل من يمكن أن يجيبنا على هذا السؤال اليوم، برغم أنهم الأكثر عرضة لخطر الكورونا، إلا أننا لو عدنا معهم لنهايات الحرب العالمية الأولى مابين 1918 و1920 سنجد أن وباء مماثل للكورونا وربما أشد منه عرف بالإنفلونزا الإسبانية أتى حينها على حياة 50-100 مليون إنسان من بين 500 مليون أصيبوا به حول العالم، وهو أكثر من ضعف عدد من قضى في الحرب العالمية الاولى !

وبرغم هذه الأرقام المرعبة ومعها حرباً عالمية ثانية كانت الأكثر فتكاً في تاريخ البشر راح ضحيتها 50-80 مليون إنسان، وشاركت فيها بشكل مباشر أو غير مباشر الغالبية العظمى من دول العالم واصل الأجداد حياتهم بإبتسامة وقلب متفتح مؤمن بأن الحياة لا تنتهي قبل أوانها وأن العمر لن ينتهي بحرب ولا مرض إذا ما كانت إرادة خالق الكون للإنسان أن يعيش، واليوم ونحن نراقب تعامل الدول مع هذا الوباء ومحاولة الحد من إنتشاره، لا يمكن تجاوز النموذج الأردني المشرف في دولة ذات إمكانيات محدودة حاضرة بأفعالها دائماً، فما رأيناه من مهنية عالية من القوات الأردنية المسلحة والأجهزة الأمنية أثبت مجدداً أنها العطر الذي يفوح شذاه دائماً في كل شبر من أرجاء الوطن وهي تصل ساعات الليل بالنهار لحفظ حياة المواطنين ومصالحهم، والأداء اللافت من الحكومة الأردنية الذي تميز بالشفافية والمصداقية العالية مع المواطن والخطوات الإستباقية التي إذا ما نجحت ستعيد الثقة بين الحكومة والشعب لأفضل حالاتها بدون شك، وأداء إعلامي ذا مهنية عالية من خلال الوسائل الإعلامية الأردنية المرئية والمسموعة والمكتوبة الحكومية منها والخاصة وهو ما وأد الكثير من الشائعات في مهدها.

واليوم ونحن ننظر لمدى ضعفنا وضآلة قدراتنا أمام قدرة وعظمة خالقنا عزوجل، نستذكر قيمة النعم التي كنا نعيش فيها من صحة و أمان وإستقرار وغيرها الكثير، ليكون التحدي الأكبر اليوم هو مدى قدرتنا على إظهار حب الخير لأنفسنا ولغيرنا بتكاتفنا ووقوفنا بجانب بعضنا البعض في هذه المحنة بالصبر والتحمل والبقاء في البيوت حتى إندثار هذا الفايروس، فمهما كان في خروجنا من منفعة فالقاعدة الشرعية والإنسانية المتأصلة التي نحتاج ترجمتها واقعاً اليوم أكثر من أي وقت مضى هي “درء المفاسد مقدم على جلب المنافع”، وإن كنا نعتقد أن ما بعد هذا الوباء لن يكون كما قبله وهو تحليل قابل للصواب والخطأ فالآثار الإقتصادية والإنسانية وحتى العسكرية ستكون موجعة على العالم بأسره وقد تكون سبباً في تشكيل خرائط عالمية جديدة، لكن وبرغم كل ذلك يبقى الأهم سلامة الإنسان في كل شبر من الوطن الأردني الغالي وكل بقعة من العالم العربي والإسلامي بل وكل شبر في هذا العالم لا نتمنى له إلا كل الخير، خصوصاً ونحن نرى جميعاً بأعيننا اليوم صدق قول حبيبنا المصطفى نبي الرحمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فيما رواه البخاري: “من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها”، وربما تكون من الدروس الهامة اليوم ضرورة أن لا نترك حياتنا تتدحرج بنا دون تخطيط لمستقبلنا ومستقبل عائلاتنا، فمن المهم التحسب دائماً حتى لأسوا الاحتمالات، كما أن من المهم أن لا نستصغر جهدنا مهما كان بسيطاً فكلنا جندي عليه الثبات وإثبات قدراته في ميدانه اليوم، كما أكد جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين في كلمته للشعب الأردني اليوم، وهو الذي طالما وضع مصلحة المواطن الأردني قبل كل شئ إيماناً منه بأن الإنسان الأردني الذي دائماً ما يثبت نفسه في كل ميدان يتواجد به خصوصاً في الشدائد والمحن هو أهم مصدر من مصادر البلاد وأغلاها.

دخل رجل على أحدهم وهو يدعو: “اللهم أوزعني أن أحمدك حمداً أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها علي، وفضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلاً”، فسأله متعجباً وهو يراه قد ذهبت يداه ورجلاه وثقل سمعه وبصره وليس في جسده شئ سليم إلا لسانه: أي نعمة تحمد الله عليها، وأي فضيلة تفضل بها عليك تشكره عليها ؟ فأجابه: وما ترى ما صنع ربي ؟ والله لو أرسل السماء علي ناراً فأحرقتني، وأمر الجبال فدمرتني، وأمر البحار فأغرقتني، وأمر الأرض فبلعتني ما ازددت لربي إلا شكراً لما أنعم علي من لساني هذا !

الحمد لله حمداً تاماً على كل قضاء يكتبه لنا مهما كان ظاهره لنا فيقيننا أن الخير فيما يختاره لنا الله دائماً، سائلين المولى عزوجل أن يزيح هذه الغمة عنا وعن العالم بأسره عاجلاً غير آجل، وأن تعود الإبتسامة قريباً لتزين الوجوه من جديد وترجع النفوس إلى أمانها وإستقرارها ويعم الخير البشرية جمعاء.

الاخبار العاجلة