صراحة نيوز – بقلم العميد المتقاعد زهدي جانبك لم يفاجئني تصريح العقيد دوغ مكريجور المستشار السابق لوزير الدفاع الامريكي حين قال في تصريحه لمحطة فوكس نيوز: “لا ارى سببا يدعونا لقتال بوتين حول موضوع استمر في تحذيرنا منه طيلة 15 عاما”. كما لم يفاجئني عندما قال: “ان اكثر ما يزعجني اننا لن نرسل قواتنا لقتال بوتن ولكننا نستمر في تشجيع الاوكرانيين للقتال والموت في حرب لا يمكن ان ينتصروا بها. ولذلك يجب ان نتوقف عن شحن الاسلحة لهم”.
اليوم اذا سرت في جورجيا ستجد اعلام الاتحاد الاوروبي منتشرة في العاصمة تبليسي بشكل يوحي بانها عضو في الاتحاد الاوروبي مع انها ليست كذلك على الرغم من تقديمها طلب رسمي للانضمام الى الاتحاد منذ عام 2011. هذا الطلب للانضمام الى الاتحاد الاوروبي جاء بعد حرب خاضتها جورجيا ضد روسيا. تماما كما جاء طلب فلوديمير زيلينسكي رئيس اوكرانيا للانضمام للاتحاد الاوروبي يوم الاثنين الماضي في ظل الحرب الروسية الاوكرانية.
الخلاف الروسي الجورجي جاء على خلفية الدعم العسكري الروسي لانشقاق اقليم ابخازيا عن جورجيا عام 1993. والدعم العسكري الروسي لانشقاق اقليم اوسيتيا الجنوبية عن جورجيا عام 1992. هذا الخلاف كان محركه الرئيسي هو الغزل القائم بين جورجيا والاتحاد الاوروبي الذي بدأ بخجل عام 1992 ولكنه خرج الى العلن عام 1996. وتعمق الخلاف عام 2004 ثم دخل بمرحلة صعبة عام 2008 عندما قرر الرئيس الجورجي ميخائيل سكاشفيلي استرجاع ابخازيا واوسيتيا الجنوبية بالقوة العسكرية فقامت روسيا باجتياح جورجيا التي خسرت نتيجة هذه الحرب اوسيتيا الجنوبية ووادي كودوري الابخازي.
من سوء حظ جورجيا ان هذه السنة 2008 كانت سنة اعتراف الولايات المتحدة الامريكية باستقلال اقليم كوسوفو خلافا لمطالب روسيا، فقامت روسيا بالاعتراف باستقلال كل من اوسيتيا الجنوبية وابخازيا عام 2008 ردا على اعتراف امريكا باستقلال كوسوفو. ولكن، وامعانا باستفزاز روسيا فقد بلغ عدد الدول التي اعترفت باستقلال كوسوفو اكثر من 95 دولة بينما لم يتجاوز عدد الدول التي اعترفت باستقلال ابخازيا واوسيتيا الجنوبية 5 دول. وهذا مؤشر واضح لروسيا ان العالم محكوم للقوة الامريكية.
اوكرانيا بالمقابل سارت على نفس درب جورجيا في استفزاز روسيا استنادا الى وعود الولايات المتحدة واوروبا بالانضمام الى الاتحاد الاوروبي والى حلف الناتو. فبدأت بطلب الانضمام الى الاتحاد الاوروبي عام 1994 بشكل شفوي غير رسمي. ثم تطور هذا الامر بصدور قرار رسمي من البرلمان الاوروبي عام 2005 يؤيد تطوير علاقات الاتحاد الاوروبي باوكرانيا الى مستوى الشراكة المؤدية الى العضوية الكاملة. وبدأت اجراءات اتفاقية الشراكة فعليا عام 2012. ولكن روسيا تمكنت من تعطيلها من خلال الرئيس الموالي لها فيكتور يانوكوفيتش. ومرة اخرى اصرت الولايات المتحدة والغرب على تقديم الشعب الاوكراني كضحية لتحقيق مصالح امريكا واوروبا، فقامت ثورة الميدان الاوكرانية (التي شارك بها ميخائيل سكاشفيلي رئيس جورجيا). فتم اسقاط يانوكوفيتش الموالي لروسيا. فقامت روسيا ردا على ذلك بضم شبه جزيرة القرم الى روسيا رسميا، ثم قامت باثارة اقليم دونباس شرق اوكرانيا، وظهرت على اثر ذلك جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين غير المعترف بهما وقتها، حتى أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الاثنين 21 فبراير/شباط 2022، اعتراف موسكو رسميا بدونيتسك ولوغانسك “جمهوريتين مستقلتين” عن أوكرانيا.
اوجه الشبه بين الدولتين: 1. ثورة الورود عام 2003 في جورجيا جاءت بحلفاء الغرب وامريكا الى الحكم. بينما ثورة البرتقال عام 2004 في اوكرانيا هي التي جاءت بحلفاء الغرب الى الحكم في اوكرانيا.
2. الرئيس الذي تحول الى محافظ هو سبب الحرب في الدولتين: ميخائيل سكاشفيلي رئيس جورجيا الثالث والذي استمر في الرئاسة لدورتين، قرر عام 2013 مغادرة جورجيا الى اوكرانيا حيث شارك في مظاهرات الميدان الاوكرانية التي اطاحت بحليف موسكو فيكتور يانوكوفيتش. وتسبب سكاشفيلي باشعال الحرب في القرم واقليم دونباس فكافأه رئيس البلاد آنذاك بيترو بوروشينكو ومنحه الجنسية الاوكرانية وعينه رئيسا لإقليم أوديسا، الا انه ما لبث ان اختلف مع الرئيس بيترو بوروشينكو الذي سارع الى تجريده من الجنسية الاوكرانية فغادر اوكرانيا متوجها الى الولايات المتحدة الامريكية.
3. الاشكالات الجورجية بدأت عام 1991 بشعار “جورجيا للجورجيين”، والاشكالات الاخيرة في اوكرانيا تسبب بها بشكل كبير شعار “اوكرانيا لنا” الذي اصبح اسم حزب سياسي.
4. الرئيس ميخائيل سكاشفيلي والرئيس فولوديمير زيلينسكي تخرجا من جامعة كييف.
5. الرئيس ميخائيل سكاشفيلي حصل على بعثة دراسية الى الولايات المتحدة الامريكية ودرس فيها. والرئيس فولوديمير زيلينسكي حصل على بعثة دراسية الى اسرائيل ولم يذهب للدراسة هناك.
6. الرئيس ميخائيل سكاشفيلي اعيدت له الجنسية الاوكرانية في 7 مايو 2020 وعَينه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رئيساً للهيئة التنفيذية للإصلاحات في أوكرانيا (وكاد ان يعينه نائبا لرئيس الوزراء تحت ضغط امريكي). وبشهر تشرين اول 2020 عاد سكاشفيلي الى جورجيا وسلم نفسه الى السلطات لتنفيذ عقوبة الحبس 6 سنوات بتهمة اساءة استخدام السلطة. وفي شهر تشرين اول 2021 ظهر اسم الرئيس فولوديمير زيلينسكي في فضيحة وثائق باندورا.
لماذا نجحت اوكرانيا بتحشيد العالم خلفها وفشلت جورجيا بذلك: يعد زيلينسكي أول يهودي يتولى منصب رئيس في اوكرانيا، ويذهب البعض إلى حد اتهامه بلعب دور الواجهة في أجندة مسنودة من طرف اللوبي الصهيوني وإسرائيل. علما بانه ممثل، وان دوره في مسلسل “خادم الشعب” هو العامل الرئيسي بنجاحه في انتخابات الرئاسة الاوكرانية. ومن المعلوم ان المساهم الأكبر في رأسمال القناة التلفزيونية التي بثت مسلسل “خادم الشعب” هو الملياردير أيهور كولومويسكي المقيم في إسرائيل والذي حظرت الولايات المتحدة الامريكية دخوله الى اراضيها بسبب تهم بالفساد وغسيل اموال تم اختلاسها من بنك بريفات الاوكراني. وقد ظهر الرئيس زيلينسكي أمس وهو يوجه نداءا الى يهود العالم لمساندة اوكرانيا وعدم السكوت.
بينما جورجيا عند محاولتها منع انفصال ابخازيا تحت شعار “جورجيا للجورجيين” دفعت بقواتها الى ابخازيا، مما ادى الى الهروب الجماعي للسكان الابخاز والروس الذين كانوا خائفين من شعار”جورجيا للجورجيين” الذي رفعته القوات الجورجية. واضطر الالاف من الناس الى الفرار، بمن فيهم اليهود واليونانيون الذين عاشوا في ابخازيا على مدى قرون ، حيث قامت الحكومتان الاسرائيلية واليونانية باجلائهم.
لكن هناك عاملا مشتركا بين الدولتين قد يكون هو سبب مصائبهما الا وهو مشاركة جيوش الدولتين في غزو العراق بعمل عدائي مخالف للقانون الدولي قادته الولايات المتحدة الامريكية. حيث كانت جورجيا ثالث اكبر قوة مشاركة بغزو العراق وبلغ تعدادها حوالي 3000 جندي جورجي لم ينسحبوا من العراق الا عندما قامت روسيا بغزو جورجيا عام 2008. بينما انسحبت القوات الاوكرانية والتي بلغ قوامها 1650 جنديا من العراق عام 2005.
اعتقد ان العالم خسر كثيرا بانهيار الاتحاد السوفياتي، ليس حبا بالاتحاد السوفياتي وانما لانه كان يشكل قطبا دوليا وازنا قادر على وقف تغول الولايات المتحدة الامريكية واستفرادها بالدول الضعيفة. ولكن الاهم ان سقوط الاتحاد السوفياتي ادى الى زوال اهمية منظمة دول عدم الانحياز.
واعتقد اليوم ان العالم بحاجة الى اعادة احياء تلك المنظمة لضمان حماية الدول الصغيرة مثل دول البلطيق وجورجيا وغيرها من الدول الصغيرة من تغول واستفراد القوى الكبرى على الساحة الدولية. ولا اقصد بالحماية هنا اتفاقيات الدفاع والاحلاف العسكرية، وانما توفير الغطاء الدولي لتلك الدول التي لا تريد ان تكون طرفا في اي نزاع مسلح بين الفيلة والدببة.
اؤكد على رفض جريمة العدوان سواء كان المعتدي اسرائيل وهي معتدية على فلسطين، او كان المعتدي روسيا وهي تعتدي على جورجيا واكرانيا، او كان المعتدي الولايات المتحدة الامريكية وهي تعتدي على افغانستان والعراق وسوريا وبنما والسودان وليبيا وفيتنام ونيكاراغوا والمكسيك وكوبا وهاييتي والدومينيكان وكوريا ولبنان ولاوس وكمبوديا وجرينادا والصومال واليمن، او كان المعتدي اي دولة.
وبنفس الوقت اؤكد على عدم جواز قيام اوروبا وامريكا باستغلال دول مثل جورجيا واوكرانيا وتشجيعها ودفعها للدخول في حروب غير متوازنة والتخلي عنها لمصيرها.