صراحة نيوز – بقلم سيف الله حسين الرواشدة
لا أعتقد أنّ مجلس نوّابنا و أخباره و هزليّ كوميديا أفعاله السّوداء، قد تُوصف بأفضل من النّظر إلى خيبة أمل الشّارع الأردنيّ، وزكذلك بعض ما صرح به رجال الدّولة أخيرًا.
و ليس يشفع لكلّ هؤلاء أنّهم إفراز انتخابات نعلم أنّ أكثرَ شبابنا على الأقل لا يُلقي لها بالًا إلا إذا أحيطت بفزعةٍ للعشيرة أو ما يُساويها مؤقتة أو لمصلحةٍ خدميّةٍ ضيّقة ، إضافةً إلى قانون الإنتخاب الذي يتحمّل الوزر الأكبر لهذا الإفراز الذي يُبكي العاقل و يحيل مجتمعنا إلى السّخرية، و من بعده يأتي في حمل الوزر حالة الحياة السّياسيِة في بلادنا التي لا تزيد على أنّها ميّتة سريريًّا.
ناهيك عن المحسوبيّات و آليات الرّفع و توارث المناصب التي أنتجت نخبةً مصطنعة نحن و وطنا و دولتنا نستحقّ أفضل منها لزامًا في مواجهة ظروف الإقليم و أحوالنا الدّاخليّة.
و صراحةً لن أكتب عنهم و لن أشتكيهم إلى الله، و لن أكتب عن الموازنة و الضّرائب و رفع الدّعم و السّطو المسلّح و الفساد و محسوبيّة التّعينات و خط الفقر الذي اعتلى أغلب أهلينا، و كذلك لم تعد تثيرني سماجة بعض النّواب و المسؤولين، لكنّني سأكتب عن الأردني. الأردنيّ يا سادة، شخصيّة مؤمنة عروبيّة بامتياز، ينحاز دومًا إلى ربّه و قضايا أمّته، كرامته أعزّ ما يملك، و دولته هي إنجازه و مشروعه على مدار قرنٍ إلى الآن، يحبّ وطنه و جيشه و المؤسّسات التي بناها بالعرق و حماها بالدّماء، لا يعرف الحياد، و قد يُختصر الأردنيّ في وجوه آبائنا و صور أجدادنا، في تلك الوجوه الجادّة المرفوعة إلى السّماء قليلاً لا اختيالًا بقدر ما هو شموخ الحرّ يسكن القلب فيتجلّى على الهام، في صوت أمّهاتنا و دعائهم لنا بالسّتر و الرّزق و النّصر من الله، في أمومةٍ كمُلت لما تحمّلت عنة الحياة و قلّة المؤونة ، و في قصص جدّاتنا عن بطولات رجالنا و وقوفهم في وجه الفساد و المرتشي و الخائن قبل العدو الغاصب.
صورة الأردني في عقلنا الجمعي التي تظهر عيانًا لمّا تسأل عن وطنك في الغربة، هي صورة الفارس قليل العدّة و العتاد، لكنّه شجاع يُلقى موج الغزاة “بطلقاتٍ قد اقترضها” يُلقيها في قلوبهم ، يَقسم كسرة رغيفه مع كل مكلومٍ و مظلومٍ و طريد، لا يطلب عليها منَّا فذاك هو الواجب فقط، هو ذاك الجنديّ على البرج يحرس الحدود و الأهلَ و الوطن فإذا أنهى الواجب، كانت ” قلايّة البندورة” هي الرّفيقة مع الأبناء و الزّوجة، و كلّنا يا سادة في الأردنّ جند مهما اختلفت ميادين الواجب.
لستُ أكتب ما سبق قطعةً إنشائيّة، بل هي تلك الحقيقة التي بدأت تتوارى اليوم، فذاك قد كان أبي لكنّني أخشى أنّه ليس أنا، أبي و جيله قد أرهقتهم النّكسات و النّكبات و النّزوح فتحصّنوا بالأردنّ و تحصّن بهم ، لكنّنا أرهقتنا المديونيّة و الفقر و الفساد و المحسوبيّة و تمثيليّات مجلس النّواب و تصريحات بعض السّاسة، أرهقتنا الغربة التي أُجبرنا عليها في أوطاننا و خارجها، و ظلم ذوي القربة يا سادة أشد، و أخاف أنّنا فقدنا الأمل بما تدثّر به أباؤنا.
نحن اليوم قليلٌ منّا من يسمع أخبار السّياسية و الأقل من يبالي بها، سوادنا يبحث عن فرصة اغتراب للعمل أو للدراسة أو حتّى طلبًا للسّترة هروبًا من واقعنا، عيوننا إلى الخارج لا للدّاخل، و كأنّ الوطن ليس لنا، نحن له لكنّه يشيح بوجهه عنّا، لمّا تكون نخبنا على ما هي عليه، يكون الوطن و أردنيّة أبي بعيدةً عنّا، و نكون نحن غرباء على أرضنا كما أنا غريبٌ خارجها. مجتمع الشّباب في بلادنا أرسل كل رسائل خيبة الأمل و الظّن، للحكومة و السّاسة، علّهم يلتقطونها، أرسل شبابنا كل إشارات و تنبيهات الخطر لهم، و لا حياة لمن تنادي، فلا مدرك لهم، و لا حادق لمصابهم. لسان حال شبابنا اليوم يقول لكم، أنّنا نحبّ بلادنا لكنّنا لم نعد نبالي بكل خطبكم و صياحكم و تصريحاتكم و فسادكم و سوء أعمالكم، نحن نعرفكم على حقيقتكم ونعرف حجمكم جيدًا. و دعاؤنا أن يعيد الله علينا أردنّ آبائنا.