لا يقبل الأردنيون، الدولة والمجتمع معا، أن تتحول “عمان” إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية بين الفصائل والحركات، مهما كان اسمها أو مصدرها، ولا يمكن لأحزابنا التي خرجت للشارع، وهي ترفع لافتة “المقاومة” بأعلام غير أردنية، وتردد هتافات مغشوشة تستحضر من الماضي أسوأ ما فيه، أن تقنعنا أن ما فعلته يصب في المصلحة الوطنية، كما لا يجوز لأي ناد رياضي أن يقتحم السياسة باستدعاء منازلة ثأرية بين طرفين لا علاقة لبلدنا بها، ثم يخرج من بيننا من يقول: تفضلوا، هذه ثمرات الهوية الجامعة. لن أدخل في تفاصيل ما حدث خلال الأسبوع الماضي، سواء ما جرى بمجمع النقابات المهنية، أو باحتجاجات الشارع، يكفي أن أسجل عدة ملاحظات، الأولى أن قضية الأردنيين، مهما اختلفت أصولهم واتجاهاتهم السياسية، يجب أن تكون الأردن، فالهوية الأردنية هي مقدمة ونتيجة معا لهذا الانحياز غير المشروط، وهي لا تحتاج لأي صفة إضافية، جامعة أو مانعة، إنها هوية أردنية (نقطة)، وذلك لكيلا تدخل في جدل التسميات والإضافات المغشوشة. الملاحظة الثانية أن القضية الفلسطينية تقع في صلب أولويات الأردنيين، وهي غير معزولة عن المشروع الأردني، لكن ثمة هوية فلسطينية يجب التمسك بها والحفاظ عليها، وهي أيضا لا تحتاج الى إضافات، لكن من غير الجائز أن يتعمد البعض صناعة هويات سياسية داخل هذه الهوية، أو ند لها، كما أنه من غير المقبول نقل التجارب الخاطئة من الأماكن التي خرجت منها الى أمكنة أخرى، أو تقمص الأدوار واستعراضها في بيئة مزدحمة بصور الالتباس، أقصد بالمكان والبيئة بلدنا، الذي ندرك تماما حساسية تركيبته، وحالته السياسية والاجتماعية. الملاحظة الثالثة أن عودة الإخوان المسلمين من الرف إلى الطاولة على مركب لجنة التحديث، ثم إلى احتجاجات الشارع على سكة “المقاومة”، مسألة تستدعي التوقف والمصارحة، ليس هنا مكان النقاش فيما جرى بين الدولة والإخوان في العشر سنوات الأخيرة تحديدا، لكن الواجب أن نذكر “الإخوان” بعد كل ما جرى، أن القضية الأردنية الوطنية هي المستند الأساسي لمشروعية نشاطهم السياسي، وقد حان الوقت ليحسموا هذه المسألة بشكل واضح لا يقبل اللبس، أما عناوين القضية الوطنية فمعروفة، ولم يعد بالإمكان التغطية عليها بشعارات “المقاومة”. الملاحظة الرابعة أن لبعض الأحزاب والقوى السياسية والنخب في بلدنا، امتدادات وجذورا فكرية وسياسية خارج الحدود، بعضها يستدعي النضال باسم فلسطين، والآخر ما زال يعتاش على بقايا فكر قومي أو يساري عربي، وغير عربي، ومن المفارقات أنها ترفض، غالبا، التوافق فيما بينها، أو مع التيارات الأخرى (الإسلاميين تحديدا)، كما أنها لم تحسم انحيازها للمشروع الوطني الأردني القائم على أولوية الأردن وخصوصيته، وتاريخ الدولة وقيمها والأفكار والمبادئ التي تأسست عليها، وبالتالي فإن توطين هذه الأحزاب في المنبت الأردني، يحتاج لتحريرها، أولا، من منابتها القديمة التي استندت إليها عند النشأة، وما تزال متمسكة بها. تبقى الملاحظة الأخيرة، وهي أن آخر ما يخطر ببالي أن أقع في “فخ” التصنيف على قائمة الوطنية، سواء بالإدخال أو الإخراج، فالأردنيون، معارضين وموالين، يتصرفون داخل الصالح العام والملة الوطنية، ولا فرق بينهم، لكن مع ذلك لدينا سوء فهم، أو ربما خلط متعمد، في موضوعات أساسية مثل الهوية والحزبية والمقاومة.. الخ، ولدينا بعض من دخلوا على هذا الخط الملتبس، واستثمروا فيه بشكل مريب، الأمر الذي يستدعي التدقيق فيما يطفو أو يغطس داخل مجالنا العام، والتحذير أيضا من العبث بنواميسنا الوطنية تحت أي مسمى أو ذريعة.