صراحة تيوز – موسى العدوان
في مقال بعنوان ” عقد اجتماعي أم عقد انفصالي “، نُشر في جريدة الرأي الأردنية يوم الأحد 22 تموز 2018 يقول الكاتب فايز الفايز في إحدى فقراته ما يلي وأقتبس :
” إن الرعيل الأول الذين ساهموا في قيادة الدولة الأردنية، ليس لهم أي امتداد عشائري أو قبلي، بل كانوا يحملون فكرا وهمة ورؤى مختلفة، لصنع مستقبل للدولة العربية، التي فتحت ذراعيها لكل الأحرار والاستقلاليين والمناضلين، وهذا ما قبلته عن طيب خاطر العشائر والقبائل الأردنية، وأبناء عمان والسلط والكرك وعجلون وإربد وما حول ذلك “. انتهى الاقتباس.
وإن كنت أتفق مع الكاتب المحترم في معظم ما كتب إلاّ أن لي تحفظا على الفقرة التي اقتبستها بأعلاه. فقد كان للامتداد العشائر الأردنية دور كبير في بناء الدولة، ولا يجوز أن ننكر دور سلطان العدوان، ومثقال الفايز، وحسين الطراونة، وعودة أبو تايه، ونمر الحمود، وكليب الشريدة وغيرهم من رجالات الأردن أصحاب الأيادي البيضاء.
وفي هذه العجالة سأروي بإيجاز دور أحد رجالات العشائر، ألا وهو سلطان العدوان في تأسيس الدولة الأردنية قبل ما يقارب قرن من الزمان. فعندما كان الغرباء يسيطرون على الحكم وإدارات الدولة الناشئة في أوائل العشرينات من القرن الماضي، كان سلطان العدوان وابنه ماجد من أكثر الناس وطنية وبعد نظر، وأكثر إخلاصا وإدراكا من الغرباء للقضايا الوطنية والقومية.
ففي عام 1920 وعندما كان الأمير عبد الله قادما من الحجاز ومتوقفا في مدينة معان، استدعى المندوب السامي البريطاني في فلسطين هربرت صموئيل، سلطان العدوان إلى القدس للتباحث معه في تأسيس حكومة في شرقي الأردن. ونظرا لكبر سنه انتدب سلطان ابنه ماجد لمقابلة المندوب السامي في القدس.
عرض المندوب السامي على ماجد تشكيل حكومة وطنية برئاسته في شرقي الأردن، بشرط موافقته على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، بمساعدة من الحكومة البريطانية. ولكن ماجد رفض هذا العرض على الذي سيتم على حساب الفلسطينيين والأمة العربية، مما حدا بالمندوب السامي تقديم الاعتذار عن مساعدته في إقامة الحكومة الموعودة. وعندما عاد ماجد إلى شرقي الأردن وأبلغ والده بما حدث، هنأه والده على موقفه الوطني الذي سيسجله التاريخ بشرف.
بتاريخ 27 آذار 1921 اجتمع الأمير عبد الله مع تشرشل، وزير المستعمرات البريطانية في القدس. وتمخض عن هذا الاجتماع التفاهم ببن الاثنين على إخراج شرقي الأردن من وعد بلفور، على حساب الوطن القومي اليهودي في فلسطين بحدوده المذكورة بالتوراة.
وشرع الأمير بتأسيس إدارة مركزية للإمارة في مدينة السلط، التي اختارها عاصمة للدولة الناشئة، ثم استبدلها بعمان بعد ثلاثة أشهر فقط، وعين رشيد طليع أول رئيس للحكومة الجديدة. كما عهد بالمناصب السياسية والإدارية والموظفين، إلى رجالات جاءت من سوريا ولبنان والعراق وفلسطين والحجاز، مستبعدا أبناء شرقي الأردن. الأمر الذي تسبب بغضب سلطان العدوان وعدد من زعماء العشائر وأهل البلاد الأصليين.
على ضوء هذا الوضع، قامت معارضة وطنية من بعض شيوخ العشائر والمثقفين يترأسها سلطان العدوان وابنه ماجد، ووضعوا برنامجا وطنيا لإصلاح البلاد يتلخص بالنقاط التالية :
إخراج الغرباء من البلاد تحت شعار ( الأردن للأردنيين )، الذي التقى به مع فكر مصطفى وهبي التل.
إنشاء مجلس نيابي في البلاد.
إسناد الوظائف الصغرى والكبرى إلى أبناء البلاد، إلاّ الذي يرى المجلس ضرورة استخدام غريب فيها.
تخفيض رواتب رؤساء العشائر وقطع رواتب الشيوخ.
تحسين أحوال البلاد المالية.
فرض الضرائب على الأهالي بالتساوي.
وبعد . . أتساءل : أليست هذه هي حقائق التاريخ الحديث ؟ أليست المطالب الوطنية التي سبقنا إليها رجالات ذلك الزمان، هي نفسها التي ما زلنا نطالب بها هذا اليوم، بعد ما يقارب قرن من الزمان ؟ أليس ذلك الرعيل الأول من العشائر الأردنية، هو من حمل الفكر والرؤى التي نفتقدها هذا اليوم ؟ أليس هذا ما نطالب به الآن، من رفض لوجود الغرباء والفاسدين في مفاصل الدولة ؟
أرجو من الكاتب المحترم أن يعيد النظر بحساباته، وأن يعطي عشائر ذلك الزمان حقها في التقدير والاحترام لنضالها الوطني وتضحياتها من أجل بناء الدولة، التي أصبحت تنهشها الوحوش من كل جانب دون حارس يذود عنها هذه الأيام . . !
المرجع : كتاب ثورة البلقاء / الدكتور عبد الله العسّاف.