صراحة نيوز – كتب أ.د. محمد الفرجات
لم تكن السنوات الثمانية الماضية والتي مرت بها الشقيقة والجارة الشمالية سوريا سهلة أبدا، فلقد دارت رحى معارك طاحنة جدا وقاسية على أرضها، وكثرت الجماعات والفرق داخليا، وإمتدت أيادي قوى إقليمية ودولية من الخارج.
لقد كانت أزمة أراد الكل من هؤلاء إشراكنا بها بشكل أو بآخر، ليضمن عامل التفوق الجغرافي والتكتيكي، وجاء ذلك على أعتاب الربيع العربي الذي أنهك البلاد والحكومات، وأرهق الإقتصاد بإغلاق خطوط وطرق التصدير البرية الشمالية.
في السنوات التي تلت عام 2014 بدأت الأمور تأخذ منحى آخر، فقد تقولبت وتمحورت الحرب إلى مد متطرف تحت مسمى “دولة إسلامية في العراق والشام” أو داعش كما أطلق عليها، تبنى فكرها المدعوم من قوى غامضة فرق وخوارج لا يمتون للإسلام بصلة.
إذن فرق مختلفة على الأرض السورية تدور بينها حرب لا تبقي ولا تذر، وقوى دولية وإقليمية تريد نفوذا لها على الأرض السورية، ومد متطرف غامض يقتل وينهب ويسفك الدماء بلا رحمة.
حدودنا الشمالية التي تمتد مئات الكيلومترات على تماس مباشر مع رحى الأزمة، نتلقى منها لاجئين ونأويهم رغم شح الحال والموارد، وبذات الوقت تتعرض بين الحين والآخر لمحاولات إختراق عسكرية.
وعلى النطاق السياسي دوليا وإقليميا وأمام إقتصاد صعب، فكل القوى الدولية والإقليمية ذات المصلحة على أرض سوريا تحاول زج الأردن في الحرب بطريقتها; بريا أو جويا أو حتى حربا تجر الأزمة للعمق الجغرافي داخل أراضي المملكة.
كانت المشاهد التي تصلنا عبر التقارير الإخبارية واليوتيوب قاسية جدا، فكان قطع رؤوس الأبرياء من المدنيين بجماعات وجماعات على أيدي المد الإرهابي الداعشي المتطرف فعل يومي، يندى له الجبين وتقشعر منه الأبدان، كانت الرؤوس تقطع بلا ذنب ويصاح على قتلها “الله أكبر”، مما يزيد الحيرة، ويزيد المشهد تعقيدا.
الملك عبدالله الثاني بن الحسين رجل عسكري، وسياسي محنك قبل كل شيء، فلقد تعامل مع الأمر بحنكة سياسية على مستوى إقليمي ودولي، وكان هدفه الأول تجنيب بلاده حمام الدم، وقاوم ضغوطات ورغبات دولية وإقليمية ملحة وصريحة أحيانا حاولت زجنا في الحرب، وبين في العديد من المحافل الدولية والبرلمانات العالمية خطورة إنخراط المملكة في الصراع، ورسم في الأذهان السياسية صورة دولية للأردن كصمام لأمان الشرق الأوسط، والذي إذا ما إنخرط في الأزمة فسيقوم الشرق الأوسط والعالم نحو حرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر.
على الصعيد العسكري، فلقد وضع الملك إستراتيجيات وسيناريوهات لقواته المسلحة لحماية الحدود الشمالية، وكان إطارها رحمة للاجئيين، ونار كثيفة وإشتباك بقواعد قاسية مع أية محاولة إختراق مهما كان نوعها، ضمن آليات رقابة عالية التقنية، وإستخبار يمحص ويقدم التقارير الدقيقة لصانع القرار العسكري.
على الصعيد الفكري، فلقد وضع الملك عدة خطط لمقاومة المد الإرهابي المتطرف، تمحورت حول بث التوعية بالإعتدال والوسطية التي يمليها علينا ديننا الحنيف، والتعامل الأمني مع حملة ودعاة هذا الفكر، ومعالجة أسباب إحتمال تغلغل هذا الفكر في الوسط الشبابي بعدة منهجيات.
بالأمس إطلعت وبالصدفة وعبر تقليب فيديوهات اليوتيوب، على فيلم صدر قبل سنوات لمفرزة داعشية في الجنوب السوري، قامت بقطع الطريق البري أمام سواقي الشاحنات، فأوقفت منهم نحو عشرة سواقين، فطرح عليهم قائد المفرزة بلباسه الداعشي ورشاشه بجانبه سؤال عن عدد ركعات صلاة الفجر، وقام معاونوه بإجلاس من جاوب صح ومن جاوب خطأ على جانب الطريق، وصاحوا عليهم بلحاهم ولباسهم الداعشي “الله أكبر” وفتحوا عليهم نار الرشاشات، فمات سواقو الشاحنات الأبرياء، ثم صاح هؤلاء ثانية “الله أكبر، الله أكبر، قتلنا أعداء الله”.
كان الكثيرون يخططون لإدخال هؤلاء إلى الأردن، بالمد الفكري والعسكري والدعم المالي.
وكان وما زال هنالك ملك عسكري مر وسياسي محنك لهم بالمرصاد، مع جيش مصطفوي وشعب عظيم.