صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
لا تَود الدولة الأردنية ان تفهم ان كل الشرور ، والعيوب ، والنواقص ، والتخلف ، والفتنة ، وضياع الوطن بأكمله ، تكمن في قانون الإنتخاب المُعيب . رغم نتائجه الكارثية العديدة التي اذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر :- أنه أضرَّ بتماسك الجبهة الوطنية الداخلية ، وفتت البُنية المُجتمعية الأردنية ، وقسَّم المجتمع الى محافظات ، ومناطق ، وعشائر ، وقرى ، وحتى حارات ، الى ان وصل التناحر الى تقسيم العشائر الاردنية الى افخاذ ، وعائلات، وحتى العائلة التي تعتبر نواة المجتمع ، لم تسلم من الخلافات والتناحر بين افرادها . كما ساهم في افراز نوعيات عجيبة غريبة من مجتمعنا ، فلا يتم اختيار الصفوة المقتدرة ، كفاءة ، وعِلماً ، وفكراً ، وخُلقاً ، وانتماءاً للوطن ، لا بل ان هذه الفئة الراقية التي يمكن ان ترتقي بالوطن اصبحت تنأى بنفسها عن الترشح للمجالس النيابية ، واصبح قانون الإنتخاب المتخلف يفرز في الغالب نوعيات رديئة اغلبهم بلا اخلاق ، ولا قيم ، ولا عِلم ، ولا معرفة ، ولا انتماء ، يصاحبون ، ويصادقون ، ويرافقون البلطجية ، والزعران ، وفارضي الأتاوات ، ليستجلبوا لهم أصوات الناس المسالمين البسطاء بالبلطجة والترهيب ، ومعظمهم إما اثرياء يودون زيادة ثرائهم بنشر الفساد والافساد ، او نصابين مغامرين يودون استغلال التمثيل النيابي للإثراء السريع مُسقطين الوسيلة مهما كانت ، لأنهم ميكافيليي النهج ، الغاية عندهم تبرر الوسيلة . فاصبح القانون وسيلة هؤلاء للوصول الى هكذا مواقع لتدمير الوطن ونشر الشرور ، فسقطوا ، وأسقطوا الوطن ، واطاحوا بالقيم المجتمعية النبيلة الراقية التي كان يتصف ، ويتميز بها مجتمعنا .
التمثيل اصبح تلويثاً للمجتمع الأردني ، ومع ان كل مؤشرات القياس اكدت على ان قانون الإنتخاب أوجد ظواهر مجتمعية غير نبيلة ، اتعجب ، كما الكثيرين غيري ، من إصرار الدولة الاردنية على التمسك بهذا القانون المسخ !؟ فقد انخفضت نسبة المشاركة في الإنتخابات السابقة الى نسب متدنية جداً خاصة في العاصمة التي يقطنها اكثر من ثُلث سكان المملكة . ولا من مُجيب ، ولا مُتفهم !؟ وحتى في الأرياف والقرى لولا عاملين سيئين مُلوِثَين ، مُتخلفين لإنحدرت النسبة الى أقلّ من نسبة المدن وهما : تحفيز المشاعر القبلية العصبية المقيته ، يضاف الى ذلك ما يفعله المال السياسي الأسود البغيض الكريه ، لربما ينخفض سعر الإنسان ، نعم ما يفترض انه انسان حُر ّْ، الى عَبدٍ يُباع في بورصة الاصوات بسعر بخِس ، ويحوِّل الانتخابات الى سوق نخاسة يُكَرَر كل اربع سنوات مرة ليلوث المجتمع ويُفسِده .
أتساءل : أين عقل الدولة الاردنية المُفكِر والموجِه واضع السياسات قصيرة ، ومتوسطة ، وبعيدة المدى !؟ لكن يبدو ان دولتنا بلا عقل مُفكِر ومُخطِط ، حيث يتبدى لي انها لا تقوى على التفكير والتخطيط على مستوى وطن . القراء الكرام : ألم تلاحظوا معي تدني مستوى الذين يتجرأون ويعلنون ترشحهم للإنتخابات النيابية النوائبية على الوطن والمواطن !؟
يُفترض في الدولة الاردنية بدل ان تُركِز على تولي ابناء كبار الحزبيين المراكز الهامة والخطيرة في الوطن ، يُفترض بها ان تبحث بالمندل عن الحزبيين السابقين المتمرسين الذين لم يتلونوا ، ولم يتلوثوا ، وتهيء لهم الظروف ، وتحثُهم على الترشح لإنتخابات مجلس النواب ليرتقوا باداء المجلس فكراً ، وعطاءاً ، ونهجاً ، سياسياً راقياً ، واعياً ، ليصبح مجلس النواب بمستوى ان يكون اللبِنة الأولى للإصلاح الشامل ، لإنقاذ الوطن من التردي الذي هو فيه .
قانون الانتخاب هذا يدعو الى الإنتحاب ، والبكاء ، والعويل على ضياع الوطن . أرى ان من يود ان لا ينتخب ليتجنب ان ينتحب ، ومن ينتخب اعتقد انه سينتحب ندماً على مشاركته في الانتخابات عندما يرى ما سيفرزه هذا القانون ، ممن ليسوا جديرون بتمثيل شعبنا الأصيل العظيم .
هذا القانون الإشكالي ، أصاب الشعب الاردني بشوزيفرينيا الانفصام ، من يرفض المشاركة في الانتخابات ، يرفض ان يكون كومبارس في مسرحية سخيفة هزلية ، ويرفض ان يضحك على نفسه ويخدعها ، ويخدع الناس الطيبين الانقياء الشرفاء الذين يريدون الخير للوطن . ومن يود ان يشارك يأمل ان يؤدي دوره في مجتمعه كما يجب ، ويأمل ان يفرز القانون من هم بمستوى تمثيل الشعب ، ولا يود ان يكون سلبياً ، مراهناً على التغيير ، ومعتبراً المقاطعة تنازلاً عن حق دستوري .
وددت توضيح بعض العيوب الفاقعة لقانون الإنتخاب ، وبالتالي تبيان اهمية تغييره الى قانون عصري حضاري غير إشكالي ، ليشكل بداية مرحلة الاصلاح الكلي والشمولي للوطن بأكمله ، لانه يمكن ان يكون اللبِنة الاولى والأهم للإصلاح الشمولي ، لو كان هناك ارادة حقيقية للاصلاح وانقاذ الوطن من التردي والانحدار الذي يسير فيه . وأختم ببيتينِ من الشِعر : –
لا تيأَسوا أن تَسترِدوا مَجدكُم / فَلرُبَ مَغلوبٍ هوى ثم إرتَقى .
إنَّ الضغائِنَ إذا ثَارَتْ بمملكةٍ/ أودَتْ بها وتَداعى رُكنُ بُنيانِ .