صراحة نيوز – بقلم سهير جرادات
قد لا يشكل الحدث أمرا مهما، بقدر ما يحمل وراءه الكثير من المعاني والدروس والعبر، التي تحتاج إلى التوقف عندها، والتفكير في حيثياتها بعد تحليل مضامينها وأبعادها من خلال رسم صورة تفصيلية لطبيعة الحدث.
إن حادثة الاعتداء على أحد المواطنين في وضح النهار، وأمام المارة من قبل مجموعة تربطهم رابطة الدم، أو المعرفة والصداقة، لا تعد الأولى من نوعها على الساحة المحلية، وفي ظني ــ بحسب الظروف التي نعيشها ــ لن تكون الأخيرة، بعد أن شهدت شوارعنا حوادث عديدة مماثلة خلال الفترات الماضية، وصل بعضها إلى حد القتل العمد، كما في حادثة اغتيال ناهض حتر، وفكره، إلا أن ما يلفت النظر للحادثة الأخيرة؛ ما جرى بعدها من أحداث غريبة حملت في طياتها الكثير من الرسائل التي تثير الخوف والفزع في النفوس، وتزعزع الثقة بصلابة الأرض التي نقف عليها.
الهزات الارتدادية وردود الأفعال التي أعقبت الحادثة، تضعنا أمام ضرورة إعادة النظر في الأولويات والانتماءات، ومدى التقيد بالمرجعيات، فمن الواضح أن الانضباط الوظيفي لم يعد على حاله، وأن هناك أمورا أقوى منه، أوجدت شكلا من عدم الاتزان في موازين القوى، وكذلك وضعتنا أمام مقاييس جديدة وانتماءات مختلفة، غيرت من الأولويات لحساب مصالح شخصية، ومع الاحباطات وغياب العدالة، والاستغلال البشع للوظيفة بطريقة تسيء للمؤسسة التي ينتمي اليها الشخص، لن نستغرب أن يكون بيننا من يسيء للوطن ورموزه.
وبنظرة تحليلية لما وراء الحدث، نجد أن هناك حربا خفية يراد منها تفكيك بعض القوى لإضعافها وتكسيرها بعد أن كانت لفترة طويلة هي المطلوبة للسند والدعم، إلا أن تغير السياسات وما رافقها من تحول ديمغرافي أوجد حالة من تغيير القوى، وتفتيت القوى القديمة، وبعثرتها، وتوزيع مكانتها بين جميع الأطياف حتى لا يكون هناك مجموعات تختال بقوتها وتزهو بنفوذها.
هذا كله يضعنا أمام تخوف من المقبل ، الذي بات مجهولا، وما يدور من أقاويل مرعبة رغم عدم دقة وضوحها، إلا أنها مع بعض التسريبات لسيناريوهات محتملة في المنطقة، أجبرت المحللين لما وراء الأحداث على الأخذ بجميع الجوانب سواء أكانت منطقية، أوبعيدة كل البعد عن المنطق.
إن ما جرى على الساحة الداخلية في الأيام الماضية من أحداث شكلت خطرا على بنية المجتمع وتماسكه، والزمت المواطن على التوقف عندها وتحليلها، حتى يتمكن من رسم صورة جديدة مستقبلية إن أمكن.
لقد تبين للمواطن بعد الحادثة الأخيرة، أنه أصبح مكشوفا للجميع، في تحركاته ومكالماته على مختلف الاتصالات، وفي حساباته البنكية المكشوفة للضريبة، وعكست حالة التمرد والعصيان التي شهدتها بعض مناطقنا مقدار فقدان المواطن لثقته بـ”الأجهزة الأمنية ومؤسسة القضاء”، من خلال لجوئه لأخذ حقه بيده، وعدم التقيد والالتزام بالعطوات العشائرية.
إن تغييب نشر الأخبار عن الحادثة الأخيرة في الصحافة المحلية لدليل على غياب حرية الرأي، وجاء ذلك من خلال قرار: ” حظر النشر “، مما يترك الباب مفتوحا أمام التأويلات والإشاعات، ويعطي مؤشرا الى أن الصحافة المحلية في القبضة الحكومية.
الكثير من الأمور يُترك تفسيرها للزمن ، لكن بعضها يحتاج إلى وقفة مزدوجة من قبل المواطن والمسؤول على حد سواء؛ لتحليل الأمور حتى يتمكن الطرفان من رؤيتها بصورة صحيحة، من أجل تصويبها قبل فوات الأوان .
إن الأحداث التي تم نفيها، أو تلك التي صُرح بأنها ملفقة، وحتى تلك البيانات التي وصلت إلى درجة التهديد، عكست الكثير من التخوفات التي تقف وراء هذه الأحداث .