صراحة نيوز – بقلم جمانة غنيمات
نشرت مجموعة من الموظفين المتضررين من قرارات دائرة ضريبة الدخل والمبيعات ردا على مقالين نشرتهما في “الغد” تحت عنوان “مثلث الفساد”، يتحدثان عن انتشار ظاهرة الفساد الصغير في بعض المؤسسات الحكومية المرتبطة بتعاملات مالية مع المواطنين.
أولا؛ من حق أي شخص الرد على المقال، خصوصا أنه يخوض في قضايا طالما فضّلنا الصمت عنها، ليس كأفراد، فقط، لجأنا إلى استثمار الحالة العامة في هذه المؤسسات لتحقيق مكتسبات صغيرة، بل أيضا عديد حكومات آثرت عدم فتح هذه الملفات رغم علمها التام بوجود تشوهات كثيرة في أداء هذه المؤسسات.
ثم إن المقالين لم يتهما الجميع، فأنا، ككاتبة، أكدت أن في هذه المؤسسات موظفين نظيفي اليد، ولم يتلوثوا بالفساد المستشري فيها، كما أنني لم أتّهم الموظفين الذين تم نقلهم أو اتخاذ إجراءات بحقهم بشيء، وليس من دور الكاتب توجيه الاتهام لأي طرف، لكن من حقه التأشير على مشكلة بات لزاما الوقوف في وجهها ووضع حدّ لتمادي كل من لعب دورا باتساع مداها.
ليس سرا أن ثمة فسادا في هذه المؤسسات، بل أغلب الظن أن كثيرا ممن تعاملوا معها يدركون ذلك، فلا أدري لماذا يواجه الإصلاح بالرفض دائما وتوضع في وجهه المعيقات.
المقالات التي كتبت في هذا السياق لم تكن دفاعا عن وزير المالية عمر ملحس، بل هي دعم لتحرك حكومي نشهده اليوم، ويحتاج إلى تضافر جهود وعون من الجميع، حتى نخرج بنتائج مفيدة تضع حدا للفساد وللتشوهات والاختلالات، وتحقق جزءا من الإصلاح المطلوب. ولا ينكر حتى موظفون بالضريبة تواصلت معهم وتحدثت إليهم، مدى حاجة المؤسسة لمثل هذه الخطوات من العمل لوضع حد لبعض النفوس المريضة التي أثرت من عملها من دون أن تتعرض لحساب أو عقاب، فقط لأن لديها مفاتيح اللعبة والقانون وتستطيع أن تلتفّ عليه، وهي بذلك تتسبب بالخسائر المالية للخزينة، وأخطر من ذلك أنها تدمر المنظومة الأخلاقية للموظف العام.
ما كُتب لم يتضمن اتهاما للموظفين الذين لا أعلم عن تفصيل عملهم شيئا، ولست المخولة بالحكم عليهم، وبالتالي لا أجد تفسيرا مقنعا لاحتجاجاتهم على ما كُتب إن كان الهدف الأول والأخير محاربة هذه الظواهر المريضة في المؤسسات.
من يقرأ الرد يعتقد أن كل ما جئت به ليس إلا افتراءات على المؤسسات، أو أنه لدعم وزير، وأن المَقالين جاءا بما يجانب الصواب، وهذا بصراحة التفاف على واقع يعلمون هم تماما أنه قائم ومتجذر في مؤسساتهم، ولست بصدد الكشف عن عديد قصص تبين حجم المشكل.
بصراحة، أقول إن مقالين لا يكفيان لكي نقول للفاسدين إن الإصلاح يلزمه الدعم من الجميع؛ نوابا وأعيانا وإعلاما ومؤسسات مجتمع مدني، فما يجري مهم وحساس، ولم يحدث من قبل مثل هذا الفعل الوطني، خصوصا أن الإصلاح مكلف، والمضي في اجتثاث الفساد من هذه المؤسسات صعب وطريقه طويل، وهي عملية إن نجحت ستعدّ إنجازا وطنيا بامتياز.
لم أقف يوما إلا مع الحق، وكتبت في هذه الزاوية مرات عديدة، بالتحديد، عن ضرورة إعلان الحرب على الفساد الصغير واقتلاع هذه الظاهرة المخجلة. ومجددا؛ أنا لا أتهم، ولكنّ الموظفين أنفسهم يعلمون أن الخطوة صعبة، وأن كثيرا من الحكومات قفزت عنها، لكنني أستغرب أن تجابه خطط اقتلاع الفساد بالرفض من البعض.
عمر ملحس يقوم بالمطلوب، لكن عليه أن يتمعن كثيرا في كل قرار حتى لا يظلم أحدا من الموظفين فيذهب الصالح بعروة الطالح، فقد سمعت من موظفين أن بعض من شملتهم القرارات لا يستحقون ما لحق بهم. لكن من قال إن الإصلاح بلا كلف! نعم الإصلاح كلفه كبيرة، والرفض لها والاحتجاج عليها لا يعني التراجع عن خطوة كانت منتظرة.