صراحة نيوز – بقلم عبد الكريم فضلـو عقـاب العـزام
أخي القاريء الكريم: بعد أن صرنا نرى الكثير من الأزمات و الكثير من المشكلات التي تهز مؤسساتنا و باتت تنعكس بشكل واضح على أداء هذه المؤسسات؛ هذا الأداء الذي أصبح يؤلم المواطنين الذين هم هدف الخدمة، و هم قاعدة البنيان الذي تقوم عليه الدولة.
يُضاف إلى ذلك أن هذه الأزمات و الأداء الضعيف غير المسؤول صار ينعكس أيضاً على صورة الدولة و الوطن في الداخل و الخارج و هذا ما لايرضـاه أي مواطن صـادق مخلص أمين يغار على سمعة وطنه و يتألم لألم كل طفل و شيبة و امرأة يعيشون على هذا الثرى الطهور.
على ضوء هذه المشاكل و الأزمات لم نرَ أي دراسة تشخص لنا الأسباب ليسهل بعدها وضع العلاج. أنا لا أدَّعي أنني أجريتُ دراسة أبداً ولكن اسمحوا لي أن أتكلَّم عن سبب واحد رأيته و لمسته على الواقع و من خلال التجربة الحسيَّة بعد خدمة استمرت قرابة أربعين عاماً.
اسمحوا لي بالقول: أن مشكلتنا هي ( مشكلة إدارة ). فرئيس الوزراء و وزرائه بعد أن ينالوا الثقة الملكية و يأخذوا لقب دولة و معالي يدخلون مكاتبهم فأول ما يبدأون به تغيير أثاث المكتب و تغيير السيارة والإكثار من الحجَّاب الذين يحولون بينهم و بين المواطن و هنا أسأل: – هل هناك رئيس حكومة أو وزيـر طلـب الاطـلاع على المهـام الموكولـة إليه و الاطلاع على مهام أمينـه العام و مهام مديري وزارته حتى يطلب منهم ما أنجزوا منها وما قصَّروا فيها؟
كما أسأل إن كان هناك أميناً عاماً أو مديراً عاماً أو مديراً أو حتَّى رئيس قسم في مؤسسة أو وزارة اطَلع على المهام الموكولة إليه و لمن يعمل معه من مدريرين و رؤساء أقسام و موظفين و اجتمع بكل هؤلاء ليطوروا هذه المهـام وفق تطـورات الحيـاة و متطلباتهـا ووفق حاجات المواطنين الذين هم هدف خدمتهم ( إلَا من رحِــم ربِّــي ).
وأَســأل كل من سبق ذكرهم من أصحاب الوظائف العليا إن كان هناك واحد منهم أعطى العمل الميداني جُـلّ وقته حتى يتابع كل صغيرة و كبيرة و لو عينات من كل نوع من المشاكل و عينات من كل محافظة. – أسأل كل من سبق ذكرهم إن تخطّى دورهم إصدار الأوامر والتعليمات و أسأل إن كان واحداً منهم تابع تنفيذ العمل بنفسه أو من خلال لجنة شكلها للمتابعة الميدانية و تقديم تقارير صادقة عن درجة الإنجاز و أسأل إن كان هناك بعد ذلك حساب فيه ثواب و عقاب يُعطي المُبادرين المجدِّين الدَّافعية ويُعاقب المُقصِّرين المتواكلين، لأنَّ هذا يجعل الموظف دائماً حريصاً على تحقيق النجاح وقلقاً خوفاً من التقصير. هُـم يجلِسـون على الكراسي يحتسـون القهـوة و يسمعُـون ( كل شيء جاهز سيدي ).
كما أسأل كل من سبق ذكرهم إن كانوا يُفعِّلون القوانين والأنظمة و التعليمات حماية لمصالح المواطنين وحفاظاً على سلامة المكتسبات وبخاصة بعد رؤيتنا لضعف منظومة القيم والأخلاق، و بدأنا نرى الضمائر تتحوصل أو تموت.
والسؤال الأخير الذي أحب أن أسأله لِكُـلِّ مسؤولٍ قيـادي مهما كان موقعه ولا أطلب عليه إجابة ولكن يسأله لنفسه ويجيب عليه في نفسه.
س : كم من المسؤولين و المديرين حصَّـلوا أو (وصلوا) مواقعهم دون واسطةٍ أو دعـمٍ أو سنـد.
أخي القاريء الكريـم: لِعلْمِـك و درايتِـك؛ عليك أن تعرف أنَّ الأردن وبفضلٍ من الله و قيادته الهاشميَّـة التي حرصت على بناءِ الإنسان والاستثمار فيـه صار يغـصّ بالكفاءات الفنيَّـة و أصحاب المؤهلات العلميّـة.
ولكن الواسطة والمحسوبية والدّعمة كما يُقال وقفت حاجزاً أمام وصول القيادات والإدارات الفاعلة إلى الصف الأوَّل و مواقع صنع القرار.
ولتعلـم أخي القاريء: أنَّ القيادة والإدارة تحتاج إلى أشخاص بمواصفات معيَّنة وقدرات خاصة منها شخصيَّة ومنها مُكتسبة أولها حسن التخطيط و آخرها الإنجاز والتقييم.
ولنعلم جميعاً أنَّ المديرين الذين يصلون بالواسطة مهما أنفقت عليهم من تدريب و من دورات سيظلون عنصر هدم في مواقع عملهم.
وفي الختام أقول: – أليس ما حصل من فاجعة عند البحر الميت هو نتاج سوء الإدارة و عدم الخوف من التقصير والمخالفة. – أليس ما رأيناه في شوارع مادبا من فيضانات هو نتاج ما ذكرت؟ – أليس ما حصل مع الطفلة التي سقطت في منهــل في الشـارع العام هو نتاج ضعـف الإدارة والترهُّـل الإداري و عدم الخوف من نتائج التقصير و تطبيق القانون. – أليس ما يحصل من مخالفات في دوائر الدولة وسرقة للمال العام و حتى عنف جامعي و الأمثلة كثيرة كلها بسبب ما سبق ذكره. إنَّ الأمثلة على الفساد الإداري و ضعف الكثيرين مِمَّـن وصلوا الصفوف الأولى في الإدارة كثيرة، والأمثلة على حصار المتميِّزين و تحجيمهـم و الحيلولـة دون تقدُّمهـم كثيـرة أيضاً يُحاصرون و يُحجَّمُون لا لشيء إلَّا بسبب تميُّـزهم و بُـروز قُدراتهم التي غالباً لا يُحيط بها ولا يَستوعبها مديروهم من ذوي القُـدرات المحدودة و لاعتقاد المديرين الفاشلين أنَّ المُتميِّـزين و الموهوبيـن هم خطرٌ عليهـم و على كراسيّهـم. ولا أدلًّ على ذلك من أن يُسأل عن الذين حصلوا على جوائـز دوليَّـة و عن الذين نالـوا جوائــز محليَّــة كجائـزة الموظَّـف المثـالي التي يمنحها ديوان الخدمة المدنيَّة و جائـزة المـلك عبدالله للتميُّـز، أيـن هُـم؟ وماذا يشغلـون من وظائـف؟ و كيف يتـم التعامـل معهم من قبل رؤسائهـم؟ وأكاد أجزم على قــدر اطِّلاعي أنَّهـم في دائـرةِ حصارِ مسؤوليهـم؛ مهمَّشيـن، ينتظـرون الفـرج. إذا كان هذا هـو الواقـع فماذا ننتظـر من إصلاحٍ للفسـاد الإداري و تطويــرٍ للأداء حتى نتقــدَّم؟