استشراء ظاهرة النفاق في الأردن أصبح يستوقف بعض الأردنيين ممن لهم اهتمام بالشأن العام والسلوك المجتمعي والتغير القيمي الذي يشهده هذا البلد الطيب. صحيح أن الأنماط السلوكية المجتمعية تتأثر بمجمل التغيرات والتطورات التي يشهدها عالم التكنولوجيا والاتصالات وخصوصا وسائل التواصل الاجتماعي ولكن لا يمكننا فهم أو تفهم التغير الكبير في أنماط اتصال وتعامل الأردنيين مع بعضهم وخصوصا التعامل مع شرائح وأفراد تتمتع بالقوة أو الجاه أو السلطة أو المال.
المنافقون متنوعون وليسوا من شريحة واحدة فمنهم كتاب ومسؤلون رفيعوا المستوى ووزراء وأكاديميين ورجال دين معممين وغير معممين ونواب وأعيان وصحفيين وغيرهم .نعم النفاق الذي نشهده لأولي السلطة والجاه نفاق مقزز ويتضمن قلب للحقائق وتزوير للواقع وإظهار للأشياء على نحو مغاير لواقعها والمنافقون يتلونون ويتغيرون كتغير الفصول الأربعة .
بعض المرؤوسين ينافقون لرؤسائهم ويتزلفون بطريقة تذهب صفة الكرامة الإنسانية عنهم وتدمر احترامهم لأنفسهم واحترام الغير لهم، موظفين ينافقون لقياداتهم ويمررون المعلومات التي يرغبون بسماعها ويخفون عنهم المعلومات الحقيقية عن عمل إداراتهم.
أما أولي الأمر فحدث ولا حرج عن مهارة وبلاغة المنافقين في مدحهم لدرجة أن هذا المدح أصبح فنا ومدرسة يتبعها ويجاهر بها أفراد كثيرون ولا يخجلون في البوح علنا الى أنهم يريدون الوصول لمبتغاهم بأي وسيلة واي طريقة منطلقين بذلك من أن الغاية تبرر الوسيلة وضاربين بعرض الحائط بقيم الإسلام الرائعة التي تحث على الشجاعة في قول الحق. وفي الوقت الذي يمكن تفهم مسوغات نفاق المصلحة أو نفاق من لا يملك الى من يملك ونفاق من ينقصه جاه وسلطان الى من يملك الجاه والسلطان، فإننا لا نجد تفسيرا لنفاق بعض الناس الى أفراد وشخوص ليسوا بحاجة الى ما لديهم من سلطان أو جاه أو مال فمن أجل ماذا ينافقون؟؟؟
يا ترى لماذا هذا الانتشار للسلوك النفاقي ولماذا أصبح هذا السلوك أكثر قبولا من الناحية الاجتماعية أو أقل رفضا على الأقل من قبل الناس مقارنة مع الغابر من الأيام؟ وما علاقة النظام السياسي بانتشار هذا السلوك ؟وهل يفضل المسئولين التعامل مع مثل هؤلاء المنافقين وتقريبهم والوثوق بهم ؟ لماذا يركز النظام على اختيار من يتقنون الكلام عن الانتماء والوطن والمواطنة والأداء والإخلاص في حين أنهم هم الأسوأ انتماءا ووطنية ومواطنة وأداء وإخلاصا؟ هل تريدون أسماء فاللائحة طويلة ويمكننا أن ندعم ما نقول بالواقع ولكننا حذرون من القضاء والمحاكم التي يستطيعون “جرجرتنا” إليها لشهور وسنوات ليثبتوا أنهم مخلصون للوطن وأننا قد قدحنا مقاماتهم العليا.
المسئولين والقيادات السياسية العليا في بلدنا أسهموا إسهاما كبيرا في نشر وتعزيز السلوكيات النفاقية في المجتمع الأردني من خلال استقطاب الناس واحتواء المعارضين واستمالتهم أو استمالة أضدادهم من خلال تعيينهم في مجلس الأعيان أو في الوزارة أو بالهبات والأعطيات.لقد تمكنت الحكومات المتعاقبة من الأردنيين وحولت المعارضين التاريخيين للنظام الى مؤيدين ينظمون الشعر ويطوعون اللغة العربية لإبراز صور مجازية وبلاغية عن النظام. أخيرا نقول بأن النفاق هو استعباد وعبودية وعلى أولي الأمر أن يتذكروا قول الفاروق عمر ابن الخطاب متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، كما أنه على المنافقين أن يعلموا أن لا قيمة للفتات والمواقع الزائفة التي تأتي بها سلوكياتكم النفاقية وأن هذه المكتسبات إذا ارتأيتموها مكتسبات كان يمكن أن تنالوها بكرامة صبركم وعزتكم وإيمانكم بأن الله هو المعطي وهو الوهاب