مسألة التعليم يجب أن تبقى حاضرة في أولوياتنا ضد النسيان، رغم هروب مسؤولي وزارة التربية والتعليم من إخفاقات الواقع إلى الفضاءات الحالمة..!
أحد أشكال الواقع البائس هو ما تعانيه البيئة المدرسية اليوم من تلوث.. فالمدارس أصبحت تفتقر إلى أبسط المتطلبات:
المقاعد التي يجلس عليها الطلبة مدة تقارب من الـ (٦) ساعات.. قديمة ومتآكلة وغير مريحة وغير مناسبة.. ناهيك أنها لا تتناسب مع أعداد الطلبة الذين يتكدسون فوق بعضهم.!
الجدران التي يعلق عليها الطلبة مشغولاتهم غير نظيفة ولا تعرف لها لونًا؛ وقد أصيبت السبورة هي الأخرى بالعدوى، فقد فتحت حدودها على الجهات الأربع، وأثخن جسدها حروب الطلبة المتتالية..!
أبواب ونوافذ لا تؤدي وظيفتها، فالأبواب سُحبت منها أمعاء أقفالها وأصبحت آيلة للسقوط بعد أن انفصلت بعض الحلقات التي تربطها بالجدران.. والنوافذ مكسورة، والحمايات لم تعد قادرة على حماية نفسها..!
باحات المدرسة لا تختلف كثيرا عن شوارعنا، من حيث الحفر والمطبات الطبيعية.. والبلاط المخلوع هنا وهناك..وأكياس الشبس والبسكوت التي تتنقل بحرية في الحرم المدرسي المنتهك ببقايا الأسوار .. وحاويات مثقلة بحملها وبراميل تتصاعد منها أدخنة وألسنة لهب.. دفاتر ملقاة على النوافذ أحرقتها الشمس.. وأخرى نضجت فانحدرت نحو الظل. . أنصاف الأثاث القديم يقبع في كل الزوايا، ويستصرخ الأحياء: كرامة الميت دفنه..!
الحمامات أصابها ما أصاب الحمامات المنتشرة بجانب الاستراحات على الخط الصحراوي.. مرافق غير صحية، تزكم الأنوف وتجلب الأمراض..!
في غرف المعلمين تقرأ خلاصة الحياة المدرسية البائسة .. المختبرات والمكتبات أقل تعاسة بسبب قلة الزائرين والمرتادين لهذه الأماكن التي قد لا يفضل القائمون عليها نية زيارتها إلا من باب العبرة والعظة..!
مكتب المدير.. هو الأقرب إلى فكرة العلاقات العامة وأماكن الضيافة في البيئة العربية.. والأكثر شبها بباقي مكاتب موظفي الحكومة .. منه تبدأ زيارة المسؤولين للمدرسة وفيه تنتهي الزيارة..!
المدهش والغريب أن الغبرة لم تترك مكانا لم تأتِ عليه بما في ذلك الكؤوس وشهادات التقدير والميداليات التي أحرزتها المدرسة بعد غزوة بدر يوم أن طلب صلى الله عليه وسلم من كل أسير من أسرى المشركين تعليم عشرة من أبناء المسلمين..!
لن أتحدث عن البيئة النفسية والاجتماعية، فهي أشبه بالسجون مع تقديري وإعجابي لما وصلت إليه السجون من تطورات حضارية..
بقي أن أقول أن المدارس الخاصة غير مقصودة؛ لأن الورقة الرابحة التي تملكها هي البيئة النظيفة.. وما عدا ذلك فالناس شركاء في تلقى الخدمة التعليمية السيئة..!
الظروف المادية لمدارس الإناث أحسن حالا من مدارس الذكور.. بيد أن هذا المقال يمثل القاسم المشترك الأكبر لمدارسنا.. وما ذكرته هو غيض من فيض.. وليس من سمع كمن رأى..!
كاتب هذه السطور مسؤول بحكم وقوفه على ثغرة من ثغور التعليم.. والمعلم والمدير والمشرف التربوي ومدير المنطقة التعليمية والأمين العام ووزير التربية.. كلهم مسؤولون.. أمام الله ثم أمام الوطن..