..الشكر…لو كان الناس يعلمون معنى الاعتراف بالجميل والخير والصحة (بعملية شكرا).. لو كان الناس يضعون على رؤوس ألسنتهم من نبض قلوبهم كلمة (عملية شكرا) المسموعة… لابتهجت جباههم رضا من الله ومن خلقه… فالصدقة شكر والزكاة شكر ورعاية الناس وعطفهم على بعضهم شكر، وحنان الخلق على بعضهم وتعاطفهم شكر، ومجاورة العطف والإحسان واللين وخدمة الجار لجاره شكر، وإماطة الأذى عن طرقات الوطن كله كأنه بيتك الرسمي الخاص شكر، وسداد الدين للدائن شكر، والوفاء بالوعد والعهد شكر، وحماية البيئة والعناية بالشجر والحجر وحمل الأمانة وردها لصاحبها شكر، وتسليم الحق للسائل والمحروم شكر، وإتقان العمل شكر، والوزن بالخير زيادة شكر. وتقدير عمل المخلصين والنزهاء شكر. كلمة شكرا هي الخطوة الأولى نحو (عملية الشكر) وهي كنوز لا تعد ولا تحصى، وهي من نعم الله عند الشاكرين تتوالد حروفها وتفترش الأرض لإنارة العرفان… كلمة شكرا تتبعها وترافقها مسيرة مشعة بالبذل والعرفان العملي من نفس الشاكر الحامد… تصعد من النفس البشرية للنفس مثيلتها بالعمل والوفاء والتقدير فيرضى عليها خالقها… والشكر ليس بكلمة وحروف، إنما الكلمات والحروف في كلمة (شكر) ما هي إلا حاضنة منطوقة جميلة لرد المعروف والجميل بالفعل والعمل، فتصعد من حنجرة المرء دامعة لينة معترفة لوجه خالقها فيضيء كيانها.. ويضيء ما حولها… أعجب للخلق وهم يرون قدرة الله ومعجزات الحياة والكون الجميل ويمضون بتشويه هذا الجمال غافلين ناكرين. يحرقون ويلوثون ويبيدون الشجر والطير المغرد والبيئة والأبرياء ويجحدون. يصحرون السهل والغابة والجبل والخضرة الغناء والمزهر والعطر، ويعيثون بإبداع الخالق وحشية وينكرون. يبتكرون عكس ما فطر الخالق من جمال لهدم الجمال… ويقوى القوي الجاحد الناكر الغافل الجاهل، ويتقاوى على العارف الشاكر العامل الواقف على حدود شكر الله بالعمل والسهر، ويلجون في وجهه في عتو ونفور. يمضون مكبين على وجوههم يتخصصون بالشر والجحود. عمي الأفئدة ينسون من أنشأهم وجعل لهم السمع والأبصار، ثم لا يعملون بالتأمل والشكر والعرفان لرعاية سمع الأرض والناس وأبريائها ونبض قلبها. عجيب أمر الناس… إن قويت شوكتهم يفرون من خالقهم، وعجيب أمر ذوي البصر والأيدي الطولى والمركز كيف يغطون أعينهم ويصمون آذانهم ويعتمون بصيرتهم عن نعماء الله… ولا يشكرون… ربما يلفظون كلمة شكرا… ويمضون… وهم لا يدركون أن الشكر معمول بحروفه فعلا وطاعة ورد جميل وجمال لكل ما يلمس قلب الإنسان…فيتلوع الصادق الشاكر ويتقلب وهو يتفكر بكيفية تفعيل الشكر.. أعجب من قوي نافذ يقف شامخا يصافح طفلا متفوقا حفظ كتاب الله، ويقول له: شكرا لك ولمن علمك حفظ كتاب الله…ثم يمضي… ويقال: لقد شكره… وربت على كتفه ممتنا لعبقريته. الشكر أن يرف قلبك وتدمع عيناك وتتسمر متفكرا بعظمة خلق الله في ذاك الطفل..وتعمل جاهدا لرعايته ورفع مكانته وحمايته…وذاك هو الشكر من قلوب من يتسمرون ويتأملون باكين عاملين لرعاية نعماء حياتهم ويقومون بواجب الشكر بمضمون عملية العرفان…