صراحة نيوز –
دعا خبراء إلى إعداد استراتيجيات وسياسات تسهم في زيادة عدد مترجمي لغة الإشارة، لتمكين الأشخاص الصم من إزالة المعوقات التي تحول دون حق ممارستهم الطبيعية بالتعليم في ظل قلة أعداد مترجمي لغة الإشارة.
وأشار هؤلاء الخبراء بمناسبة اليوم العالمي للصم، إلى عدم ملاءمة المنهاج الدراسي، وطرق التدريس، وتدني مستوى كفاءة العاملين معهم، وضعف تمكنهم من لغة الإشارة لإيصال المعلومات لهم، ما يزيد من صعوبة إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية بالمجتمع.
ويُعرف الأصم بالشخص الذي لديه فقدان سمعي يزيد على 70 “ديسي بل” أو أكثر بشكل يعيقه عن فهم الكلام المرسل من آخرين، فيما تعتبر الإعاقة السمعية في الأردن الأعلى انتشاراً بعد الإعاقة البصرية، إذ أن عدد المصابين به يتجاوز 3 بالمئة، بحسب الإحصائيات الأخيرة لدائرة الإحصاءات العامة.
وبحسب إحصاءات الاتحاد العالمي للصم، هناك 72 مليون أصم في العالم، 80 بالمئة منهم يعيشون في البلدان النامية، في وقت تعتبر لغة الإشارة معجما لغويا محدودا لأنها لا تتصف بالتعبئة كبقية اللغات.
ويلعب مترجم الإشارة، وفقا لأستاذة التربية الخاصة في جامعة العلوم الإسلامية الدكتورة فريال الشنيكات دورا مهما في التواصل بين المعاق سمعياً والسامعين لدمجه في المجتمع عن طريق ترجمة أفكاره ومشاعره، مشيرة إلى ضرورة تهيئة مترجمين متخصصين بلغة الإشارة للطلبة الصم في الجامعات، وتعزيزهم بالمواد العلمية، لايصال المعلومة الصحيحة للطالب كما يجب، وصولا لما يسمى بـ “التوليد الإشاري” للمترجم، بناء على مقدرة المترجم وتمكنه من المصطلحات الخاصة بلغة الإشارة ومعايير ترجمتها.
وقالت: إن الاهتمام بتعليم الأفراد المعاقين سمعيا ازداد في الأردن، اذ أن عددا كبيرا من المعاقين سمعيا يكملون تعليمهم الجامعي في الجامعات الحكومية والخاصة، ويقوم المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين بتعيين مترجم لغة إشارة لكل طالب جامعي يتقدم بطلب للمجلس، ليرافقه في جميع محاضراته الجامعية.
وأوضحت أن لغة الإشارة عبارة عن تعبير جسدي للمفاهيم والمصطلحات المتداولة، فيما يعتبر آخرون أنه لا بد من مصاحبة ذلك بإيماءات معينة للتواصل البصري، مبينة أن هناك لغة إشارة علمية لها قواعد متفق عليها، ويتم تعليمها في المدارس والجامعات.
وأشارت إلى أن الأشخاص الصم لديهم قوة عالية في الإدراك البصري نتيجة الممارسة العملية لها، كما يلجأون إلى تمثيل الحروف الهجائية من خلال تحريك أصابع اليد بشكل معين، أو استخدام الكتابة لإيصال المعلومة، مبينة أنه لابد من تعريف الناس بالصم وبضعيفي السمع والمصابين بالصمم الكلي، وتغيير النظرة المجتمعية تجاههم لما يتعرضون له من صعوبات.
ويعاني المعاقون سمعيا من تحدي مواصلة تعليمهم الأكاديمي مقارنة بغيرهم، كما تقول الشنيكات، لافتة الى ان هذا التحدي يتجلي في معظم جوانب المنهاج خاصة القراءة.
وبينت ان ضعف مهارة القراءة لا يؤثر فقط على التحصيل الأكاديمي في مجال اللغة، بل يتعداه إلى القدرة على التحصيل المعرفي في المجالات الأخرى كالعلوم والاجتماعيات والرياضيات وغيرها، لعدة اسباب؛ أبرزها عدم ملاءمة المنهاج الدراسي، أو طرق التدريس، أو تدني مستوى كفاءة العاملين معهم.
يقول مستشار جمعية المرأة الأردنية للصم ومستشار الاتحاد الأردني لجمعيات الصم الدكتور أيمن غريب في ترجمة له عن الأصم ريهام اللوزي: إن “الصم شريحة مهمة في المجتمع وهم أسوياء عقليا، إلا أن البعض ينظرون إلينا نظرة سلبية ويعتبروننا مصابين بخلل ذهني”.
وأوضح غريب أن هناك مشكلة في دمج الطالب الأصم داخل المدراس العادية، وتظهر المفارقة بجلاء بين الطلبة الصم وغيرهم، ففي الوقت الذي تكون عملية التحصيل المعلوماتي سريعة عند الطلبة العاديين تكون أبطأ عند الطالب الأصم لعدم وجود الوسيلة المناسبة للحصول على المعلومة بشكل كامل.
ودعا إلى وضع أساسيات للغة الإشارة في المناهج الدراسية العادية، بأول وآخر الصفحة في أحد كتب المنهاج الدراسي لتعزيز الاندماج في التعليم ومن ثم في المجتمع.
وقال: إن الاردن من السابقين في مجال لغة الإشارة على المستوى العربي، وكان مصدرا لإعداد لغة الإشارة عربياً، وهناك كفاءات أردنية مهنية انطلقت للخارج، مشيرا إلى إعداد قاموس إشاري عربي، وإنشاء الجمعية الأردنية الأولى لمترجمي لغة الإشارة، ما أدى لوجود عدد من الأشخاص الصم حاصلين على الشهادات العلمية العليا.
ولأن المخزون اللغوي ضعيف لدى الشخص الصم، فهذا يوجب على مترجم لغة الإشارة أن تتوافر فيه صفة الأمانة والاخلاص في الترجمة ومعرفة خصائص الأشخاص الصم والقدرة على التواصل معهم، كما تقول خبيرة ومترجمة لغة الإشارة ريهام اللوزي.
وتشير إلى أن لغة الإشارة تنقسم إلى قسمين: بيتية وتستخدم بين الأبناء وعائلاتهم دون خضوعهم لدورات تأهيلية باعتبارها لغة مستخدمة داخل البيت، ولغة إشارة رسمية مكتسبة في المدارس.
وقالت، إن العمل جار حاليا على إعداد قاموس خاص بلغة الإشارة القانونية، وتدريب مترجمين قانونيين عليه، مشيرة إلى أن ما يميز لغة الإشارة الأردنية أن 80 بالمئة منها لغة اشارة عربية، أما الباقي فهي اختلاف بالمصطلحات، لافتة الى أن شهادة مزاولة مهنة المترجم للغة الإشارة للأردنيين يتم اصدارها من الأردن فقط بين الدول العربية، وذلك لالتزام الاردن بمعايير وتعليمات محددة في هذا السياق.
وأوضحت أن مواقع التواصل الاجتماعي وفرت للأشخاص الصم الانفتاح على العالم الخارجي من خلال التطبيقات المزودة لخدمة الفيديو حيث ساهمت بالتكيف النفسي والاجتماعي الإيجابي من خلال تلك البرامج المرئية، إذ يتعرفون من خلالها على أقران وشركاء جدد، اضافة الى احتمالية ايجاد فرص عمل أو الدراسة في الخارج.
وأشارت إلى أن لغة الإشارة تشبه أي لغة في العالم، منها ما هو خاضع للترجمة الفورية، وآخر للترجمة العادية، مبينة أن المترجم يبذل جهداً مضاعفاً كملاحظة إيماءات الوجه، فيما يضطّر إلى التمثيل لإيصال المعلومة بدقة، ولذلك فإن القوانين والتشريعات أُعطت الحق لاستبدال مترجم الإشارة كل ثلث ساعة بمترجم اشاري آخر.
وقالت: إن بعض الأهالي يخجلون من تعليم أبنائهم الصم لغة الإشارة، ويلجأون الى مواراة ابنائهم الصم عن أنظار الناس، فيما يحذّر آخرون أبناءهم الصم من استخدام لغة الإشارة “خوفاً من العار”.
وقالت: ان العديد من معلمي المدارس الحكومية لا يتقنون لغة الإشارة باستثناء مدرستين، هما الأراضي المقدسة في السلط، وأكاديمية ماركا، مبينة أن هناك مدرسة خاصة تهيئ أساتذتها وطلابها لاستقبال الأشخاص الصم، بتدريبهم وتدريسهم لغة الإشارة، مشيدة بدور غرفة العمليات الرئيسة بمركز القيادة والسيطرة في الأمن العام باطلاق خدمة اتصال الطوارئ الفيديوي للصم (114).
مساعد الأمين العام للشؤون الفنية في المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة غدير الحرس، بينت أن الأشخاص الصم بحاجة إلى مترجمي لغة الإشارة عند تعاملهم مع الأشخاص غير الصم سواء في المدارس أو الجامعات أو في المجتمع ككل، ومن المتعذر توفير ذلك دائما.
وأوضحت أنه بالرغم من توفير وزارة التربية والتعليم مدارس خاصة للصم مؤهلة بمعلمين متخصصين بلغة الإشارة، إلا أن هناك تحديات تواجههم كمدى إلمام المعلم بلغة الإشارة، ومعرفته باستراتيجيات التعليم لهذه اللغة، ما أضعف مخرجات التعليم للطالب الأصم، مشيرة إلى الخطة العشرية للدمج مع وزارة التربية والتعليم والتي نص عليها القانون.
وقالت: إن الوزارة ملزمة وفقا لذلك بوضع استراتيجيتها للتعليم الدامج وتشمل الأشخاص الصم وتهيئة الكوادر وتدريبهم على استراتيجيات التعليم .
وأوضحت أن عدد المترجمين الحاصلين على شهادة مترجم معتمد ممن قاموا بتجديد رخصهم يصل الى نحو 65 مترجما معتمدا فقط، عازية هذا النقص لسفر العدد الاكبر من المترجمين للعمل خارج الأردن.
ويروي جمال خاطر الناشط في مجال حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة السمعية، الذي يعمل مدرباً للغة الإشارة، معاناته ومعاناة أقرانه، من حيث صعوبة الحصول على وظيفة تناسب مؤهلاتهم العلمية، واقتصارها على الوظائف الدنيا، ونظرة الانتقاص التي يتعرضون لها من بعض القائمين على توظيفهم في هذا المجال، داعيا للاعتراف بقدرات الأشخاص الصم وحقوقهم ودعمهم، وإيجاد مترجم للغة الإشارة في كل مؤسسة من المؤسسات والدوائر الحكومية والمستشفيات والمساجد والكنائس.
ويعتبر مركز تدريب الصم الثقافي الذي أنشئ عام 2006، أول ملتقى للصم، اذ يعقد دورات مجانية تمكنهم من الانخراط في العمل، بالإضافة إلى نشاطات ترفيهية وتثقيفية ورياضية وتوعوية وتدريب على الحرف اليدوية والتدريب على لغة الإشارة، بحسب رئيس المركز جريس البطارسة.
وتحتفل الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأسبوع العالمي للصم في الفترة بين 23 ايلول إلى 30 منه بوصفه الأسبوع الدولي للغات الإشارة والصم، بهدف إذكاء الوعي بأهمية لغة الإشارة والإعمال الكامل لحقوق الإنسان لفئة الصم، والتوعية بقضاياهم والتحديات التي يواجهونها.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش في رسالته بهذه المناسبة: إن الاحتفال بهذا اليوم “يعد اعترافا بأهمية لغة الإشارة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وفرصة داعمة للتنوع الثقافي”.