صراحة نيوز – موسى العدوان
عندما يتولي المسؤولن الكبار وظائفهم، فإنهم يؤدون القَسَمَ القانوني للقيام بمهام وظائفهم في خدمة الوطن بأمانة. ولكن من خلال متابعاتنا لممارسات معظم المسؤولين، في حكومات الدول العربية، نكتشف أنهم يحنثون بالقسم، الذي قدموه وأيديهم على الكتب السماوية. وهذا ما دفعني للاستشهاد بأفعال بعض المسؤولين في دول أجنبية، الذين أوفوا بما أقسموا عليه بغض النظر عن جنسياتهم أو مواقفنا منهم.
1. خلال الحرب العالمية الثانية كانت الطائرات الألمانية تقصف لندن والمدن البريطانية بعنف، حيث تلقي عليها آلاف الأطنان من القنابل المتفجرة وعلى مدى أشهر طويلة. فقابل بعض المسؤولين البريطانيين رئيس الوزراء تشرشل، وأبلغوه بأن البلد دُمرّت نتيجة لقصف الطائرات الألمانية. فسأل تشرشل : ما وضع القضاء والتعليم ؟ فأجابوه بأنهما بخير. فقال لهم : إذاً البلد بخير . . لاتخافوا. وقد اعتمد تشرشل هذا الجواب، لإدراكه أن القضاء يكشف الحق ويُحقه ويحميه من الباطل ومن الأشرار، ويمنع الناس من التغوّل على بعضها، وأن التعليم يعيد بناء المجتمع من جديد.
2. وفي حادثة ثانية خلال نلك الفترة، قامت ناظرة مدرسة بريطانية، بإقامة دعوى أمام القضاء، تطالب فيها بنقل مطار عسكري قريب من المدرسة إلى مكان آخر، لأن ضجيج الطائرات عند إقلاعها وهبوطها، تُحدث أصواتل تزعج الطلبة وتعطل الدراسة. كما أن المطار العسكري بحد ذاته، يجعل المنطقة هدفا للعدو، وقد يضرب المدرسة، ويسبب خسائر بأرواح الطلبة الصغار.
وبناء عليه قضت المحكمة البريطانية، بنقل المطار العسكري إلى جهة أخرى بعيدة عن العمران، الأمر الذي أحرج السلطات العسكرية البريطانية. فبذل المسؤولون العسكريون جهودا مضنية، لإيقاف تنفيذ الحكم ولكن دون جدوى. وأخيرا لجأوا إلى رئيس الوزراء تشرشل طالبين وقف تنفيذ الحكم، بدعوى أن نقل المطار سيضعف الدفاع الجوي عن المنطقة، ومواجهة طائرات العدو النازي. رفض تشرشل ذلك الطلب قائلا : ” خير لنا أن تخسر بريطانيا الحرب، ولا أوقف تنفيذ حكم قضائي “، إيمانا منه بأن أحكام القضاء هي عنوان الحقيقة، وأن القضاء العادل هو أساس الملك.
3. أما الحادثة الثالثة فقد جرت في إسرائيل، ونشرتها جريدة الرأي الأردنية بتاريخ 23 / 11 / 2019 وتتلخص بما يلي : المحامي أفيخاي مندلبليت هو صهيوني متطرف، وصديق مقرب لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فقد عينه عام 2015 سكرتيرا للحكومة. ونظرا لرصانته وقوة شخصيته ونفوذه، فقد أعاد نتنياهو تعيينه نائبا عاما للدولة.
ورغم هذا التقدير الذي أسداه له رئيس الحكومة بتعيينه في منصبين هامين خلال فترة قصيرة، إلاّ أنه قدّم ضد رئيسه لائحة اتهام بالرشى والاحتيال وخيانة الأمانة، قائلا بانفعال : ” إنه يوم حزين وصعب للشعب الإسرائيلي ويوم حزين لي شخصيا . . لقد قررت بقلب مثقل ولكن بكل إخلاص، أن سلطة القانون وتطبيقه لا تعرف اليمين أو اليسار، وهذا التزامي أمام الدولة “.
4. والحادثة الرابعة فقد جرت في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ نشرت الصحافة المحلية الأردنية يوم 6 / 11 / 2019، أن رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، طلبت من رئيس اللجنة القضائية في المجلس جيري نادلر، صياغة لوائح الاتهام ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكونه قد أساء استغلال السلطة لتحقيق منافع سياسية، ولم يترك لنا خيارا سوى التحرك.
وفي بيان تلفزيوني مقتضب قالت بيلوسي : ” للأسف ولكن بكل ثقة وتواضع، وبولاء لمؤسسي البلاد، وبقلب مفعم بالحب لأمريكا، أطلب اليوم من رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب جيري نادلر، المضي قدما في صياغة لوائح الاتهام، بهدف عزل الرئيس ترامب، لأنه أساء استخدام السلطة وقوّض الأمن القومي وعرّض نزاهة علاقاتنا للخطر “.
وبناء على ما تقدم. . هل يمكن لمسؤولينا في مختلف دوائر الدولة، أن يقتدوا بهذه النماذج من أمانة المسؤولية والجرأة في اتخاذ القرار، التي جسّدها رجالات دول أجنبية ؟ علما بأن ديننا الحنيف يحثنا على مواجهة المسؤولية، بأمانة وجرأة في القول والعمل.
التاريخ : 7 / 11 / 2019