صراحة نيوز- نشر موقع “هافينغتون بوست” في نسخته الإيطالية تقريرا، تحدث فيه عن الموقف السياسي الحرج الذي تشهده المملكة العربية السعودية، فضلا عن الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، على خلفية تورطها في الأزمة القطرية. ومن المرجح أن يتولد عن هذا الوضع أزمة جديدة وأعمق، سيكون ولي العهد السعودي الجديد المتسبب الرئيسي فيها.
وذكر الموقع، في تقريره الذي ترجمته “عربي21″، أن المملكة العربية السعودية أعربت عن تخليها عن قائمة المطالب الثلاثة عشر، التي فرضتها سابقا على الدوحة، والاكتفاء بلائحة تضم ستة شروط فقط. وفي الأثناء، أكدت الرياض أن الإجراءات التي اتخذتها في حق الدوحة كانت نتيجة قرار متهور من ولي العهد السعودي الجديد، محمد بن سلمان.
والجدير بالذكر أن زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى الرياض كانت الحافز الرئيسي الذي دفع ولي العهد الجديد إلى اتخاذ هذا القرار بشأن قطر. فقد اعتبر محمد بن سلمان زيارة ترامب إلى المملكة بمثابة موافقة ضمنية على تدخله في المنطقة، في حين رأى أن دعم واشنطن له سيتيح له المجال لمحاربة إيران وتعزيز السياسة العسكرية السعودية فيما يتعلق بالشأن اليمني والسوري والعراقي على حد سواء.
وأشار الموقع إلى أن المملكة العربية السعودية تعيش، في الوقت الراهن، أزمة سياسية داخلية معقدة للغاية، نشبت على خلفية عملية تداول الحكم في صلب العائلة المالكة. وتعود جذور هذه الأزمة بالأساس إلى سنة 2015، إبان تولي الملك سلمان مقاليد الحكم إثر وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز. وقد عمد الملك سلمان إلى تنصيب ابنه، محمد بن سلمان، وزيرا للدفاع، ليتولى ابن سلمان فيما بعد منصب ولي العهد، خلفا للأمير محمد بن نايف.
ومن المثير للاهتمام أن الأمير محمد بن سلمان كان يطمح في الحصول على ولاية العهد مهما كلفه الأمر، وفي أقرب الآجال. وساعده قراره المتهور بشأن مقاطعة قطر في تحقيق مراده وافتكاك هذا المنصب، إثر عزل ولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف في شهر حزيران/ يونيو الماضي.
وقال الموقع إن قرار تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد كان قرارا غير صائب، حيث ينتمي هذا الشاب إلى الجيل الثالث ضمن شجرة العائلة الحاكمة في السعودية، وذلك ما يفسر بعده النسبي عن المعطيات السياسية ومتطلبات السلطة، فضلا عن معرفته المحدودة جدا بدواليب الدولة والطرق الواجب اتباعها لإدارتها. ومن هذا المنطلق، لا يمكن أن نستغرب تهوره الواضح في اتخاذ القرارات، وإهماله لمقتضيات منصبه.
وأوضح الموقع أن محمد بن سلمان عزم على إضفاء بصمته الخاصة على الساحة السياسية الدولية، والقطع تماما مع السياسات الماضية. ومن منطلق رؤيته الخاصة، عمد ولي العهد الجديد إلى النأي بنفسه عن المنهج البراغماتي، الذي ميز سياسة الجيل الأول من العائلة المالكة في السابق، وخوض غمار مغامرة سياسية وعسكرية جديدة، ترتكز على مبدأ أن إيران تمثل “تهديدا وجوديا لاستمرارية العهد السعودي”.
وأفاد الموقع بأن هذا الأمير الشاب يتمتع بدعم كامل وغير مشروط من قبل ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان، وذلك ما يبرر عدم مبالاته بالشكوك والمخاوف التي تحوم حول مكانته في المملكة. وفي الأثناء، تجمع بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد رؤى مشتركة فيما يتعلق بضرورة تبني سياسة تقوم بالأساس على مبدأ التدخل في شؤون المنطقة، الأمر الذي من شأنه أن يمكنهم من احتواء ما يعتبرانه تهديدا وجوديا لبقاء المملكتين، أي إيران والإخوان المسلمين.
وفي هذا الصدد، سارع كلا الأميرين برسم خطة مثالية؛ وذلك تلبية لرغباتهما وطموحاتهما. ومثل هذا المخطط الركيزة الأساسية لاندلاع شرارة الأزمة القطرية. فمن خلال محاولة عزل قطر، كان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يسعى إلى ضرب إيران، في حين كان ولي العهد الإماراتي يحاول استهداف الإخوان المسلمين. ومن هذا المنطلق، وخدمة لمصالحهما، تحولت قطر إلى هدف مشترك بالنسبة للمملكتين. وفي الأثناء، كشفت الأزمة القطرية مدى تهور ولي العهد السعودي وفشله في إدارة البلاد، وبالتالي، فشل المملكة العربية السعودية.
وعاد الموقع على تحركات قطر، التي انبثقت عقب الاتهامات التي طالتها وقرار العزل والمقاطعة بشأنها، فضلا عن لائحة المطالب التي وجهت لها. فقد سارعت الدوحة للكشف عن فحوى بعض الوثائق التي تدين كلا من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبالتالي، نجحت قطر في كسب دعم المجتمع المدني، خاصة إيران وروسيا.
وفي الأثناء، حظيت الدوحة بمساندة الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تجلى ذلك من خلال الاتفاق الذي وقعه الطرفان في إطار جهودهما الرامية لمكافحة الإرهاب. فضلا عن ذلك، وقع البلدان صفقات بيع طائرات عسكرية، في حين لم تتوان واشنطن عن تعزيز شرعية الموقف القطري في ظل الحصار الذي تعيشه.
وأكد الموقع أن رفض قطر للمطالب الثلاثة عشر الظالمة، التي اعتبرتها بمثابة مساس بسيادتها، فضلا عن الدعم الدولي الذي حظيت به قيادتها السياسية، من شأنه أن يتسبب في خلق موقف سياسي حرج بالنسبة للدول التي نادت بمقاطعة الدوحة، علاوة على إثارة “أزمة علاقة” جديدة وغير مسبوقة في الخليج.
وفي الختام، ذكر الموقع أن المملكة العربية السعودية حشرت نفسها في موقف سياسي لا تحسد عليه، خاصة أنها تعتبر الفاعل الأبرز في خضم هذه الأزمة الحساسة التي يكتنفها الغموض. فضلا عن ذلك، سينتهي الموقف الراهن بالكشف عن مدى فشل المملكة على المستوى الإقليمي والدولي، ما سيؤثر تبعا على علاقاتها الدولية والتجارية.
وعلى الرغم من الموقف الحرج الذي تعيشه المملكة اليوم جراء تهور واندفاع ولي العهد الجديد، محمد بن سلمان، إلا أن طبيعة هذا الأمير لن تسمح له بتقبل الهزيمة، ما من شأنه أن يتسبب في تصعيد إقليمي جديد أكثر خطورة.