صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
الناسُ مِثل المَعادِن ، تختلف في أشكالها ، وألوانها ، وأثمانها . الناس منهم الرخيص الوضيع بقيمه ، ومنهم من هو صاحب مباديء ومُثل وقيم . وهذا يذكرني بأغنية جميلة ، قديمة ، أيام كان الفن مُحترما ، يحض على الفضائل ، والبُعد عن الرذائل ، تقول الأغنية :- (( الناس معادن ، ومن أغلى المعادن تلاقي ناس ، وناس كثير طيبين ، وناس كثير مش ناس .. الخ )) . وأقول أيضاً ان الناس يشبهون الحجارة ، فالحجارة منها الرخيص( Cheap or priceless Stones ) ، ومنها نصف الثمين (Semi-Precious Stones) ، ومنها الثمين ( Precious Stones ) . هكذا هم البشر ، كما الحجارة ، مُتنوعون ، مُختلفون في كل شيء ، يَختلفون في اشكالهم ، والوانهم ، وأثمانهم ، نعم أثمانهم ، لكن اذا أصبح للإنسان ثمن ، فانه يُعتبر رخيصاً مهما غلا ثمنه ، يضاف لها : إختلاف الناس عن الحجارة في أماناتهم ، واهتماماتهم ، وطبائعهم ، واخلاقهم ، وقيمهم .
بمناسبة تحديد موعدٍ لإجراء الإنتخابات النيابية يوم ٢٠٢٠/١١/١٠ ، وقف الأردن كله على رِجْلٍ واحدة ، وإنشغل الناس ، بين مُترشحٍ ، ومُؤزارٍ ، وتابعٍ مُنتفعٍ ، ( وسَحّيجْ ) ، ( وذَنَبْ ) ، ومُتملق ، ومُنتظرٍ لِمكسَبٍ مادي رخيص ، يتناسب مع رُخصِ قيمه . بدأ الإنتشار ، والتطواف ، والزيارات ، وترتيب اللقاءات ، للمقايضة ، والتسويات ، او للحوار المحترم الراقي ، اذا إتصف المُترشح والمُحاور بالإحترام ، والبُعدِ عن المَكاسِبِ والمَنافِع .
والمفاجأة ان الهيئة المستقلة للإنتخاب ، أعلنت وبكل جُرأة ، وصراحة ، ووضوح ، وثِقة ، بانها سَتضبِط المال الفاسد ، او المال الأسود ، او المال الحرام ، او مال (( الرُخص ، والذُل ، والرُكوع ، والخُضوع ، والخُنوع ، وشِراء الأنفُس والضمائر ، وإستغلال حاجة الناس وفقرهم ، وشراء إرادة الإنسان ، او الذي كان إنساناً )) . كيف لإنسان ، يَعتبِر نفسه انساناً ، ومواطناً صالحاً ، ان يبيع نَفْسهُ ، وعائلته ، وقيمة ، ووطنه !؟ نعم من يتحول الى الرُخص ويبيع صوته ، فقد باع نفسة ، وكرامته ، ومنطقته ، ومحافظته ، والوطن أجمع . هو يعلم او ربما لا يعلم ، ان عليه ان لا يطمع ، او يطمح بخدمة ما ، ممن باع له صوته ، لماذا !؟ لان صوتك الرخيص قد قبضت ثمنه ، ولا يحق لك بعد ذلك ان تطمع او تطمح ، بالحصول على شيء ، لان العملية مقايضة ، او بيع وشراء . ايها الناخب لقد عرضت ثمن كرامتك وحددتها بقيمة بخِسة ، وقد قبضت الثمن ، وعليه تنتهي العلاقة بمجرد قبض الثمن . وتُطل علينا الهيئة المستقلة للإنتخاب بانها قد إتبعت ، وإستحدثت آليات لمراقبة، ومطاردة ، والقبض ، وتعرية المال الاسود ، مثل سواد وجوه المتعاملين به . انا لا ألوم الهيئة طبعاً ، بالمطلق ، انا أشفِق عليها ، لانها لن تقوَ على ذلك . كيف للهيئة ان تضبط بائعاً ومشترياً لصوت او أصوات ، يتم خِلسةً في ليل بهيم ، او من وراء جُدُرٍ مُعتمة ، او عبر وسطاء !؟
من الأفضل للهيئة ان لا تُقحِم نفسها بما لا تَقدِر عليه ، لا بل تعجز عن القيام به ، لأسباب عديدة : منها استحالة ضبط ، او السيطرة ، او حتى الحد ، او التخفيف من انتشار المال الأسود في الانتخابات النيابية !؟ لانه في الأصل حتى تقديم الحلوى ، او الوجبات الغذائية ، او توفير المواصلات للتنقل ، هو رشوة وشراء للاصوات ، علاوة على الصوبات ، والحرامات ، وخواتم الذهب ، وعباءات ( تُهدى لمن لا يعرفون كيف تُلبس العباءة ) ، فكيف اذا ذهبنا للمُعضلة الكبرى التي صرح بها رئيس الهيئة ، عندما اعترف بان ( ٨٠ ) نائباً نجحوا بالإنتخابات السابقة بناءاً على قرارات وليس الأصوات !؟ انا ارى ان الهيئة ربما تود ان تضبط العملية الانتخابية ، وان تتصف بالمصداقية ، والنزاهة وان توقف استخدام المال الأسود ، لكنه ليس بامكانها ، ولا يوجد لديها الإمكانات التي يمكن ان تساعد ، والأصح انه لن يُسمح لها بذلك . قد يقول قائل : لماذا !؟ اقول ان من يَسِن قانون انتخاب بهذه الرداءة ، وهذه الجدلية ، وبهذا المستوى وتكتنفه تشوهات كثيرة ، قانوناً قسّم ، وشتت ، وأضر بالبُنية المجتمعية ، وفتتها الى مناطق ، وعشائر ، وافخاذ ، وعائلات ، وحتى افراد ، هل ينوي بالمجتمع خيراً !؟ وهل ينوي ان تسود الديمقراطية الحقة !؟ وهل ينوي ان يصل للبرلمان من هم أهل للعمل البرلماني من تشريع ورقابة حقيقية !؟
تصوروا ان يتنافس في الكرك مثلاً ( ١٤٠ ) مرشحاً ، على ( ٩ ) مقاعد !؟ حسبما ذكر رجل المباديء والمواقف والنُبل والقيم الخال المهندس / احمد الضمور ( ابو جهم ) ، حيث اعجبني منشوره الذي يستغرب فيه هذا التزاحم على النيابة ، يقابله عزوف عن الانتخابات البلدية ، مع انها هي الأكثر عطاءاً للمجتمع ، وانا اقول موضحاً : ان النيابة دخلها خيالي ، دون جهد يقابله ، اما المجالس البلدية فتتطلب جهداً مُجهداً ، يقابله مخصصات هزيلة .
المقصود ان يكون هناك اجراءات ، ظاهرها ديمقراطي ، كمسميات ، وباطنها مُفرغ من كل ما يَمُتُ للديمقراطية والشفافية والنزاهة بصلة . المقصود من تأسيس وانشاء كل الهيئات الرقابية مثل (( مجلس النواب / و ديوان المحاسبة /
وحقوق الانسان / والمحكمة الدستورسة / والمؤسسة العامة للغذاء والدواء / و مؤسسة المواصفات والمقاييس / والهيئة المستقلة للإنتخاب ذاتها..الخ )) كلها الهدف منها خطب وُدّ الغرب الذي يَرقُبُنا ويُحَاسِبُنا ويمنع المساعدات عنّا ، لذلك تقرر إنشاؤها ، لكن مع نزع صلاحياتها ، وإفراغها من مهامها .
لكن ليس من المنطق ان نُغفِل الأسباب التي دفعت بعض الأردنيين لأن يبيعوا كراماتهم بهذا الرخص والسُخف !؟ اليس حكوماتنا المتعاقبة التي أنهكته وإستغلته وأفقرته وربما شيطنته . والمثل يقول : الجوع كافر ، وعليه هل من المنطق ان تطلب من إنسان جائع ، او عاجز عن توفير متطلبات عائلته ويعاني الفقر ، والعجز ، والعوز ، ان تطلب منه صَون كرامته ، وعدم التفريط بقيمه !؟
هل يمكن ان تجني من السُم دسماً او عسلاً !؟
وإن زَرعتَ ( مُراراً ) هل تجني منه قَمحاً !؟ وهل للوضيع ان يكون عزيزاً !؟ عندما تُعلن الهيئة بانها تراهن على وعي المواطن ، أقول : من يراهن على جائع ومحتاج !؟ أيها الناخب ، اذا كنت تود ان تنتخب إبن عشيرتك ، لا ضير ، في ظل هكذا قانون مُتخلف ، لكن لماذا لا تختار العشيرة الشخص الذي تتشرف بأن يُمثلها !؟ وعشائرنا مليئة بالأكفياء من أصحاب القيم والخبرات ، لماذا يتم تهميش أصحاب الكفاءة والخُلق النبيل الذين تتشرف بهم النيابة !؟ وأختم ببيتٍ من الشِعر :-
والذُلُّ أصْعُبُ ما يكونُ على الذي / رَضِعَ الإباءَ مع الحليبِ الطاهِرِ .