هل سنذهب للمشاركة بالتحالف الشرق اوسطي، أو”الناتو” الجديد؟ الإجابة التي وصلتنا، نعم بشروط، لا نعرف، بالطبع، إن كانت تحت بند خيار أم اضطرار، وهل التحالف دفاعي أم هجومي، ثم من يشارك فيه، وضد من؟ لكن المسألة لا تتعلق، عموما، بالمنطقة والإقليم، ناهيك عن بلدنا، وإنما بتحولات كبرى تجري بالعالم، أقطابها القوى المعروفة، التقليدية والصاعدة، وعنوانها الصراع على النفوذ والموارد، أما نتائجها فلا يملك أحد أن يقررها الآن. لكي نفهم أكثر، العالم، ومنه منطقتنا وعالمنا العربي والإسلامي، يواجه لحظة انفجارين: انفجار التاريخ المزدحم بصور الصراع الديني والثقافي والحضاري بكل ما فيها من دمامل وتراكمات وانسدادات، وما شهدته من مخاضات طويلة على امتداد العقود الماضية، هذا التاريخ أصبح قاب قوسين أو أدنى من الانفجار. اما الثاني فهو انفجار الجغرافيا المزدحم، أيضا، بصور الصراع على الموارد والسكان، والنفوذ السياسي والتجاري، والغذاء، والعلاقة بين المراكز والأطراف، هذا الانفجار مرتبط بالأول (التاريخ)، ومتلازم معه، والأدق انه نتيجة مباشرة له. ماذا بالنسبة لمنطقتنا ؟على امتداد العقود الماضية، ما بعد مرحلة الاستعمار، تم إخضاع منطقتنا تماما، سواء من خلال الحروب وإدامة الصراعات، وتفجير الثنائيات، والعبث بالنواميس الضابطة لحركتها واستقرارها، أو من خلال “القاتل” الاقتصادي الذي حولها إلى رهينة للبنوك ومراكز القوى الغربية، ومنعها من الاعتماد على ذاتها، حتى إذا جاءت لحظة “الربيع العربي”، صناعة كانت أم ولادة، أطبق “الآخرون” عليها تماما، فأصبح العالم العربي جثة هامدة، سقطت حواضره الكبرى، وانشغلت الأخرى بجراحاتها، والحفاظ على أنظمتها السياسية باي ثمن. في الأثناء، كان ثمة ثلاثة مشروعات في المنطقة، تتصارع وتتنافس على محيطنا العربي، الأول المشروع الإيراني الذي انتقل من الحكومة الإسلامية العالمية، وفق نظرية الخميني (تصدير الثورة)، إلى الحكومة الإسلامية العملية (أم القرى) وفق رؤية لاريجاني، حيث التمدد الجغرافي على الأرض، وقد حصل، فوضعت طهران أقدامها بأربع عواصم عربية على الأقل. الثاني، المشروع التركي، الذي تراوح بين الانكفاء على الذات والتمدد للخارج، وفق ثلاثة محاور، تاريخي استحضر نفس الإمبراطورية العثمانية في عمقها الحضاري، وجيوسياسي استدعى مصالحه وطموحاته مع أوروبا والناتو، والعمق القومي حيث النزعة التركية القلقة من الانفصال. اما المشروع الثالث فهو إسرائيلي بامتياز، بمعناه الصهيوني الديني والسياسي، وقد بلغ ذروته تماما، بعد أن توجته صفقة القرن بطلا منتصرا، من خلال تطبيع كامل مع معظم الدول العربية، واعتراف بيهودية الدولة وعاصمتها القدس، وتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي، وفق تصورات تلمودية تتجاوز فلسطين إلى ما حولها. لا يوجد على الطاولة أي مشروع عربي، وغير مسموح له أن يحضر،(لا تسأل لماذا؟)، هذا الغياب ترك المجال للمشروعات الثلاثة أن تتمدد وتتوسع على حساب العرب، ثم تتنافس على “تركتهم” وحاضرهم ومستقبلهم، كما دفع العرب، أيضا، للبحث عن أي مشروع للالتحاق به، هنا تبدلت أولويات الخصومة والعداوة، ومصادر التهديد، فأصبحت إيران العدو رقم (1) بدلا عن إسرائيل. وتحت ضغط التحولات في العالم، إثر حرب أوكرانيا، وبروز المفاصلة بين أميركا أوروبا من جهة وبين روسيا والصين من جهة ثانية، دقت لحظه الاستحواذ على منطقتنا، كما دقت، تماما، تصفية المشروع الإيراني، بأي شكل، ثم إشهار المشروع الإسرائيلي مندوبا ساميا على المنطقة بأكملها. لم يكن أمام من تبقى من العرب (المشرقيين تحديدا) إلا التحفظ على وصفة “ناتو الشرق أوسط “، أو ابتلاعها وقبولها، صحيح أن لكل طرف عربي حساباته وهواجسه وطموحاته، لكن ما يدفع الأردن، في تقديري، للانضمام للتحالف (أوعدم استباق رفضه)، سببان: الأول عدم القدرة على الانفراد خوفا من الاستفراد به، وعدم القدرة، هنا، مفهوم في سياق اقتصادي وسياسي، إقليمي ودولي أيضا، تم التجهيز له مبكرا. اما السبب الثاني فهو التعويل على المشاركة 1ـ لضبط حركة التحالف من الداخل، أقصد حدود التحالف وأهدافه، بما يتناسب مع المصالح الأردنية، هذه بالطبع مراهنه أقرب ما تكون للمغامرة، أو2ـ امكانية فشل المشروع، وأسباب ذلك موجودة بداخله، وربما تكون أكثر من عوامل نجاحه. أدرك تماما أن القارئ الكريم سيرد بسؤال: هل هذا رأيك بجدوى المشاركة؟ سأجيبه على الفور :لا أبدا، هذا منطق الوقائع التي أراها، وتقدير موقف لما جرى، نتحمل مسؤوليته كعرب أولا، وكأردنيين ثانيا، ولا يمكن لأي عاقل أن يضع بلدنا في فوهة المدفع، العالم تغير، وأصبح أكثر توحشا، ونحن مضطرون لمسايرته، ما دام أننا لا نستطيع وحدنا أن نواجهه.