صراحة نيوز – بقلم محمد سويدان
يتحفنا نواب كثر بحرصهم على حرية الإعلام ومصداقيته، ففي الكثير من الخطابات والأحاديث خلال الجلسات العامة، نجدهم ينبرون لتأكيد أهمية حرية الإعلام والصحافة، وضرورة إعطاء وسائل الإعلام الحرية الكاملة وطبعا المسؤولة.
نجد هؤلاء النواب ديمقراطيين جدا، وحريصين جدا على حرية الإعلام عندما لا يقترب الإعلام منهم، ولا يكشف خبايا ما متعلقة بعملهم، أو يتحدث عن قضايا حساسة لهم ضلع بها، أو ينتقد مواقفهم العامة.
فعندما تحاول وسائل الإعلام تسليط الضوء على أخطاء أو ممارسات أو مواقف سلبية، أو خبايا ما لنواب، تتحول هذه الوسائل من وسائل صديقة إلى وسائل “معادية” وغير مرغوبة، وسيئة، وتتمادى في “حريتها غير المسؤولة” إلى غيره من الاتهامات التي يكيلها نواب في مثل هذه المواقف لوسائل الإعلام.
وسائل الإعلام، عند نواب، وأيضا عند مسؤولين كثر، محبوبة ما دامت تتغنى أو تسلط الضوء على إنجازات هؤلاء النواب والمسؤولين، ولكنها، تصبح كريهة وغير محبذة عندما تتولى مهمتها الرقابية الموضوعية، وتمحص بالمواقف والأحداث والآراء والأفعال لهؤلاء النواب والمسؤولين.
عندها، يبدأ مسؤولون ونواب الحديث عن تجاوزات الإعلام، وعن عدم احترام وسائل الإعلام المتنوعة الخصوصيات، وعدم احترامها مسؤولية النقد البناء، وعدم حرصها على المصلحة العامة، وأنها تعمل على “زعزعة الاستقرار”، وتثير النعرات والخلافات إلى غيره من الأسطوانة المشروخة التي لا تتغير كلماتها ومعانيها واتهاماتها، عندما يطال النقد أشخاصا بعينهم، وهنا نتحدث عن نواب ومسؤولين.
وعندها، أيضا، يتسابق نواب ومسؤولون للمطالبة بالحد من الحريات الإعلامية، ومحاسبة الإعلاميين، وتقديمهم للمحاكم، ويقترحون في هذا السياق تعديلات تشريعية لفرض إجراءات وعقوبات على الإعلام بمختلف وسائله بهدف الحد من حريته وصلاحياته ومهمته بكشف الحقائق.
ويدعي مطلقو هذه الدعوات ومقترحو التعديلات، أنهم حريصون على أن تكون حرية مسؤولة وليست مفتوحة ومشرعة الأبواب، وعلى استقرار المجتمع ووحدته وأمنه، بعبارة أخرى، إنهم يريدون ألا ينتقدهم الإعلام وألا يسلط الضوء على أخطائهم وممارساتهم السلبية، وتنحصر مهمته من وجهة نظرهم بمدح “إنجازاتهم” التي هي حقيقة ليست إنجازات فعلية، وإنما إنجازات غير حقيقية تصور على أنها إنجازات.
مناسبة هذا الحديث، المذكرة النيابية التي وقعها 35 نائبا، تطالب الحكومة بوضع نص قانوني يمنع وسائل الإعلام من نشر الأخبار حول جلسات المحاكمات في القضايا المنظورة أمام القضاء.
هذه المذكرة تخالف الدستور الذي نص على علنية المحاكمات، وتخالف أيضا تشدق نواب بحرية الإعلام.
الغد