التفكير الحكومي بإطفاء عجز الموازنة من خلال زيادة الضرائب والرسوم، ليس جديدا. فقد عملت الحكومات السابقة على الرفع والزيادة خلال عمر الدولة، تحت عناوين ومسميات مختلفة؛ تارة باسم إلغاء الدعم عن السلع، وأخرى باسم جداول تسعيرة المحروقات، وأحيانا بعنوان إعادة هيكلة برنامج الدعم الحكومي للسلع وشعار “دعم الفقراء بدلا من دعم السلع”، على اعتبار أن الثاني قد لا يفيد الفقراء.
الجديد في التعامل الحكومي مع موضوع عجز الموازنة يتمثل بأسلوب إخراج الحكومة والنواب لنوايا رفع الأسعار، وتضارب التصريحات التي أطلقها ويطلقها أعضاء الفريق الحكومي عن طبيعة القرارات التي تنوي الحكومة اتخاذها، كما التسريبات الإعلامية عن نقاشات النواب لهذه القضية الحساسة، وخوف وقلق المواطن من آثار وتبعات هذا الرفع على ميزانيات الأسر ونوعية حياتها.
إضافة إلى ذلك، فإن الحديث عن الرفع هذا العام يأتي وسط مخاوف وقلق حكوميين وشعبيين وإعلاميين من إمكانية تقلص أو اختفاء المنح والمساعدات، خصوصا أن الموازنة تعتمد جزئيا على ما يأتيها من الدول الصديقة والشقيقة والمؤسسات المانحة في العالم والإقليم.
القراءة الأولية لردود الفعل النيابية والشعبية لما رشح عن نية الحكومة، لا تبدو مشجعة. فالبعض يرى أن القرار غير منطقي وغير مبرر. نعم، الكل يدرك أن الأردن في ضائقة مادية، ويحتاج إلى حلول، لكن الأغلبية تجمع على أن الحل الأمثل والأنسب ليس رفع الأسعار، ولا “البحث في الدفاتر القديمة”، وإنما تبني سياسات اقتصادية وتنموية واجتماعية تعطي المواطن الأردني ومشكلاته الأولوية التي تستحق، بدلا من اتباع سياسة حسن السلوك الدولي وإهمال احتياجات وتحديات أثرت على واقع الأردنيين ونوعية حياتهم.
فبالرغم من كل صور التجميل والزخرفة التي يتبعها البعض، يجد المواطن الأردني صعوبة في فهم إصرار الدولة على فتح الحدود لمئات آلاف اللاجئين. ويستغربون أكثر وهم يسمعون على ألسنة صناع القرار أن الأردن يتحمل كلفة تصل إلى 3 مليارات دينار سنويا. ويعرف الأردنيون كما غيرهم أننا لسنا طرفا في تأجيج الصراع وتغذيته، ويتساءلون عن الحكمة في السماح لهذا الكم الهائل بدخول بلد لا يملك المقدرات والموارد التي يملكها من يغذون الاقتتال.
على صعيد آخر، يتساءل الأردنيون عن الحكمة في استمرار وجود عشرات الهيئات المستقلة والشركات الحكومية غير المجدية اقتصاديا، والتي تمول بما يزيد على المليار ونصف المليار دينار من الموازنة، ولا تخضع رواتب ومكافآت وأجور وامتيازات العاملين فيها للأنظمة واللوائح التي تحدد الرواتب والأجور في الحكومة، ويرون في استمرار وجود هذه المؤسسات هدرا لا مبرر له.
في الأردن هناك خوف وقلق وحب يعبر عنه الناس بطرق مختلفة. فالبعض يقترح إيجاد صندوق للتبرعات، وآخرون يرون أهمية جلب الفاسدين ومحاسبتهم. وعلى الساحة من يذهب إلى المطالبة بإخضاع المؤسسات كافة، بإنفاقها ونشاطها للرقابة. لكن الغائب عن كل هذا هو وجود رؤية واضحة يتبناها الجميع ويعملون على تحقيقها في ظل هيئة عليا تراقب وتتابع تنفيذ الأهداف الوطنية في كل المحاور، وعلى المستويات كافة.
الدعوة التي أطلقها البعض لتخلّي الوزراء والنواب والعاملين في الوظائف العليا عن رواتبهم اقتراح جميل، له قيمة رمزية سامية. لكن ذلك لا يتم في بيئة ما تزال تعاني من التشوهات التي تستصرخ صناع القرار للمعالجة والتدخل. فمن غير المعقول أن ينقل موظف من القطاع العام إلى موقع مرتبط بالقطاع العام، ويقفز راتبه من 3 آلاف دينار إلى 40 ألف دينار. ومن غير المعقول أن يكون أحدهم عضوا في أكثر من عشرة مجالس إدارة.
هذه الممارسات لها صدى سلبي في الشارع، ويتحدث الناس عنها، ويعتبرون السكوت عنها تواطؤا، خصوصا في هذه الأوقات التي تحاول فيها الحكومة إقناع الشارع بضرورة الإجراءات التصحيحية التي تنوي اتخاذها.
الدكتور صبري الربيحات – الغد