صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه الطراونه
التاريخ لا يرحم ، لكنه يضيء . التاريخ لا يرحم الذين قصّروا ، او خذلوا ، او خانوا اوطانهم . فيقبض التاريخ على مساوئهم ، ليُشهِّر بهم ، لتصبح اسمائهم عصية على النسيان ، حتى يلعنهم اللاعِنون على مدى الدهور ، والعصور . كما ان التاريخ يتمسك ، ويضيء على اسماء الشرفاء ، المناضلين ، الذين كابدوا ، وعانوا ، ودفعوا أثماناً عظيمة في سبيل اوطانهم ، يُجلّهم التاريخ ، ويوصل بكل امانة ، وشرف ، واحترام عطاءهم ، ونُبلهم الى الأجيال القادمة ، الى ما شاء الله ، حتى يُمجِّدهم الناس ، ويقتبسون من اعمالهم لأنهم رموزاً يُقتدى بها .
من الأسماء الوطنية النيّرة ، المُضيئة ، التي ما نُسيت ، ولن تنسى ، المناضل الاردني الشيخ / حسين باشا الطراونه . من منّا لم يسمع به ، ويُمجِّد افعاله ، ويفتخر بنضاله !؟ هو ورفاقه الذين دفعوا اثماناً غالية للدفاع عن الاردن الحبيب . الذين يَبِزون بعضهم بعضاً ، ولا يتخيرون عن بعض . ومما يبعث على الفخر ان الاردن كان زاخراً بأمثال أولئك الرجال الشجعان ، الذين لا يخشون في قول وفعل الحق لومة لائم ، مهما كانت الاثمان التي سيدفعونها . يُشرِّف قلمي المتواضع ان اذكر أسمائهم ، لكنني لن اتمكن من حصرهم ، ولا يمكنني تفادي نسيان الكثير منهم ، لهذا أعتذر لهم ، وأفتخر بهم .
كل اردني ينتمي لتراب وطننا ، يعرف عن الشيخ / حسين باشا الطراونه أكثر مني بكثير . لكن مقتضيات تسلسل المقال تتطلب ذكر بعض المحطات من حياة هذا الرمز الوطني ، كونه أحد رجالات الاردن بعامته .
وُلِدَ الشيخ / حسين باشا الطراونه في الكرك ، عام ١٨٧٠ م . وتلقى تعليمه الاول في الكرك ، ثم سافر الى اسطنبول ، حيث اتقن اللغة التركية . في عام ١٩٠٢ عُيِّن عضواً في محكمة بداية الكرك . وفي عام ١٩٢٠ عُيِّن رئيساً للجنة القوانين في الحكومة العربية المؤابية ( حكومة الكرك ) . عارض الشيخ حسين الطراونه وكل زعماء البلاد المعاهدة البريطانية الاردنية ، التي عُرِفت بمعاهدة ١٩٢٨ ، لتضعه في موقع الرجل القيادي للحركة الوطنية الاردنية ، وزعيماً من زعماء المعارضة . عام ١٩٣٠ ترأس الشيخ حسين الطراونه الوفد الشعبي الاردني لمقابلة لجنة البُراق في القدس ، وقدّم الوفد مذكرة باسم أهالي شرق الاردن استنكر فيها مطالب اليهود . وضم الوفد عدداً من رجالات الاردن ، منهم (( نمر الحمود / سالم الهنداوي / عبدالقادر التل / حامد الشراري / سليمان السودي الروسان / الشيخ حامد مريش ، وغيرهم . وشارك في المؤتمر العربي الاسلامي في القدس عام ١٩٣١ ، الذي حوّل القضية الفلسطينية الى قضية عربية اسلامية . كما شارك في مؤتمر بلودان عام ١٩٣٧ للدفاع عن فلسطين .. وغيرها الكثير خلال مسيرته النضالية .
اعلاه كانت إطلالة بسيطة ، ومحدودة ، ومتواضعة من التاريخ النضالي للشيخ / حسين باشا الطراونه . هذا الفارس الاردني النبيل ، أنجب رمزين تميزا بالنبل ، والنزاهة ، والمواقف الوطنية ، هُما : — الشيخ / عبدالوهاب حسين باشا الطراونه ، مواليد عام ١٩٢٦ ، وتوفي عام ٢٠٠٨ . كان نائباً وشيخاً جليلاً ، يتمتع بحب واحترام كل من عرفه ، وامتدت نيابته ما يقارب ال ( ٣٠ ) عاماً . والثاني :— معالي القاضي / ناجي حسين باشا الطراونه ، وزير العدل الأسبق لمرتين في وزارتين الاولى عام ١٩٧٤ ، والثانية ١٩٧٦ . كما كان رئيساً للمجلس القضائي الأعلى . وهو آخر أنجال الشيخ حسين باشا الطراونه . الذي انتقل الى جوار ربه يوم السبت الموافق ٢٠٢١/٨/١٤ .
وداعاً معالي القاضي العادل ، الشريف ، العفيف ، النزيه ، فقد سطرت تاريخاً مُشرفاً في القضاء الاردني ، داعياً رب العباد ان تكون قاضياً في الجنة . فطاولت المجد جينياً ، بحسبك ونسبك ومحتدك يا إبن الرمز الاردني المناضل الشيخ / حسين باشا الطراونه . كما ارتقيت بشخصك ، بما سطرت من مجد طاولت به عنان السماء نزاهة ، وعفة ، وعدلاً ، وحِدةً ، وجديةً ، وصلابة في الرأي ، وثباتاً على الحق ، فقد كنت حازماً ، جازماً في قراراتك ومواقفك في إحقاق العدالة . ولمن لا يعلم ، فان المرحوم قد اختلف مع أحد رؤساء الوزراء لتدخله في القضاء ، فنال منه ، وقدّم إستقالته ، وهاجر الى بريطانيا ، ومكث حوالي ( ١٣ ) عاماً .
لقد نجوت يا ناجي من نار القاضي . وحاشا ان أُزكي على الله أحداً واختم بالحديث النبوي الشريف الذي يقول نصاً (( القُضاة ثلاثة : قاضيان في النار ، وقاضٍ في الجنة )) . وأكرر : حاشا ان أُزكي على الله أحداً .