كثير منا يتمنى أن يكون قدوة لغيره فتجده يجتهد في حياته في كل الاتجاهات ليكون مثار إعجاب وتصفيق الآخرين حتى ولو في داخل قلوبهم فقط، وآخر يسعى لذلك بأن لا يترك فرصة لإظهار نفسه أمام الآخرين ويستمتع برفع صوته بالحديث منادياً الآخرين ولو في قرارة نفسه أن يستمعوا إليه ويرونه ويعجبون به ولو رغماً عنهم، وغيره ربما نظر لنفسه بتلك الصورة حتى ولو لم يكن كذلك فالمهم أن يكون سعيداً بنفسه مغرماً بها ولو لم يرضى عنها أحد غيره، وهناك من لا يهمه الأمر بالمطلق سواء كان قدوة أو لم يكن له أي مكان في أذهان الآخرين أو حتى في ذهنه هو، فتراه يعيش دون تخطيط أو ترتيب منتظراً من الأحداث أن تتلاحق في حياته مكتفياً بدورالمتفرج عليها لا أكثر.
نجد من يقف كل صباح لينظر إلى المرآة للتأكد من نظافة وترتيب هندامه وترتيب ذقنه وشعره ومعها أفكاره وما يدور في خاطره من أمور تشغل باله لعله ينجح في ترتيبها بطريقة تجعله محطاً لأعين وإعجاب الغير، لكن ضغوط الحياة وأحداثها المتلاحقة ربما لا تسمح لنا في كثير من الأحيان تمرير ما نفعل عبر مرحلة التقييم الذاتي، تلك المرحلة التي تفرز الصالح من الطالح من تصرفاتنا وتعيدنا إلى دائرة محاسبة النفس والوقوف عند أخطائها ومراجعة حساباتها.
أين نحن ؟ هل نحن قدوة ؟ هل ما نفعله خاضع للتقييم المستمر ؟ أم هل هو قابل لمبدأ التقييم أساساً ؟
ترى هل وقفنا مع أنفسنا ولو لدقائق معدودة في نهاية كل يوم لنسأل أنفسنا مثل هذ الأسئلة، لماذا تركنا واجبنا اليوم تجاه خالقنا عزوجل وتكاسلنا في أدائه على الوجه الأمثل برغم إتقاننا وتفانينا في أمور أخرى دنيوية أقل أهمية منه بكثير، ولماذا صرخنا في وجه طفلنا في أمر كان لا يستدعي أن نغضب أساساً، ولماذا سمحنا لمشكلة صغيرة أن تكبر بيننا وبين زملاء العمل وهي لا تحمل أي معنى، أو بيننا وبين أولادنا وبناتنا وهي لا تحمل أي قيمة تذكر، ثم لماذا أضعنا فرصة الإلتفاف على أشقائنا أو شقيقاتنا متناسين أهمية لحظات وجودهم في حياتنا، أو لماذا ترددنا في إسعاد والدينا وهم بيننا مفوتين فرصة رسم إبتسامة جميلة على وجوههم أو حتى إنجاز عمل خير يمكن أن يعود عليهم بدعوة صادقة بعد أن غادروا هذه الدنيا، ثم لماذا تركنا زوجتنا حائرة بدون أن نعطيها جواباً شافياً على سؤالها الذي نظرنا له بعين السخرية وهي من لها الحق بأي سؤال كغيرها بحجة إنشغالنا بأمور العمل الأهم، أو لماذا أغضبنا زوجنا وقصرنا في حقه بسبب إنشغالنا في قضاء وقت أطول مع صديقاتنا والتنقل معهم في سيرة فلان وعلان، ولماذا ولماذا ولماذا، أسئلة كثيرة تحتاج من أنفسنا الوقوف أمامها ولو مرغمة كل يوم قبل أن نضع رأسنا على الوسادة للغرق في أحلامنا لمن يحرص أن يكون قدوة لنفسه أولاً قبل أن يكون قدوة لغيره.
ولعلنا لو نظرنا اليوم يميناً ويساراً لرأينا الكثير من الأمثلة التي تؤكد معنى السطور السابقة فنرى الغليان العراقي يميناً واللبناني يساراً، وقبلها وغيرها في أكثر من دولة عربية عانى شعبها الأمرين حتى وصل حالة غليان لا يمكن إيقافها بسبب إهمال معاني محاسبة النفس، وهو الأمر ذاته المنطبق على جميع الحكومات أو من بيده سلطة ومنها الحكومة الأردنية التي نتمنى أن تتدارك نفسها مع الشعب قبل فوات الأوان كما فعلت في اللحظة الأخيرة في أزمة عصفت بأركان المجتمع الأردني بأكمله ونجحت في إحتوائها تحت مظلة الوطن بتوفيق الله أولاً ثم حكمة الحكماء في البلاد، وأصبحت فرصة ذهبية بعد مرورها على خير “أو نأمل ذلك” أن يقف كل من شارك أو ساهم بحدوث هذه الأزمة أو كان سبباً في حلها أمام نفسه ليتعلم منها الدروس، وأن نتذكر أن نحاسب أنفسنا جيداً على كل صغيرة في حياتنا قبل أن تكبر وتأتي لحظة الحساب في الدنيا وبعدها الأهم في الآخرة، لعلنا ننجح في إيقاف أنفسنا عن الإستمرار في الخطأ والغرق في غياهب الضلال والضياع والإهمال، وحتى لا نكون من الأخسرين أعمالاً ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، بل ممن يتعلمون من أخطائهم ويجعلون منها كتاباً ومرجعاً يرجعون إليه كلما أرادوا التقدم والتطور والنجاح في حياتهم ورسم صورة جميلة تكون قدوة حقيقية تستحق الوقوف عندها.