صراحة ميوز – بقلم موسى العدوان
نشرت صحيفة الرأي الأردنية شبه الرسمية يوم الأحد 9 / 9 / 2018 خبر تصفية شركة الكهرباء النووية، مبررة قرارها : ” بأن السير بتنفيذ أي مشروع نووي يجب أن يتم بما يحقق الفائدة المرجوة منه، وبما يخدم المصلحة الوطنية العليا “.
والحديث عن المشروع النووي الذي تبنته ” هيئة الطاقة الذرية الأردنية ” لإيجاد مصدر جديد للطاقة الكهربائية في الأردن، يمتد إلى ما قبل عقد من الزمان، حيث أعلنت عن نيتها في إقامة المشروع على شاطئ مدينة العقبة، ثم استبدلته بموقع قرب المفرق، وأخيرا استقرت على موقع صحراوي قرب قصر عمره، رغم كل الاعتراضات عليه. ولإنعاش ذاكرة القراء الكرام لابد من التذكير بمسيرة هذا المشروع الذي لفظ أنفاسه الأخيرة هذه الأيام.
لقد عارضت إقامة هذا المشروع لكلفته العالية ومخاطره العديدة، متضامنا مع عدد من العلماء الأردنيين أمثال الدكتور علي المرّ، والدكتور إبراهيم بدران، والدكتور أيوب أبو دية، الذين طالبوا الحكومة بعدم السير بالمشروع، نظرا لتوفر البديل من الطاقة المتجددة. فكان أول مقال كتبته بتاريخ 4 / 6 / 2011 بعنوان ” أوقفوا مشروع الانتحار النووي “، وأتبعته بعدة مقالات كان آخرها في شهر أيار الماضي، بعد أن أعلنت الشركة الروسية وقف السير بالمشروع.
اقتصرتُ الحديث في مقالاتي على أربع عوامل هي : المال، الماء، الأمن، والإشعاع النووي. فمن حيث المال ركزت على ما يعرفه الجميع، بأننا دولة مدينة بعشرات المليارات ولا نستطيع زيادة هذا الدين، بمفاعل يكلف ما يقارب 10 مليارات دولار يتبعه مفاعل آخر لمبادلته بالعمل وبكلفة مماثلة، رغم توفر البدائل الأخرى رخيصة التكاليف وعديمة الخطورة.
ومن حيث الحاجة للمياه فقد بينت أن المفاعل يحتاج إلى كمية كبيرة من المياه، وأن الدول التي تقيم مثل هذه المفاعلات تتوفر لديها المياه بغزارة، لأنها تقيمها على شواطئ البحار والمحيطات، وليس على بعد عشرات الكيلومترات عن محطة تنقية المياه العادمة، لا توفر إلا كميات محدودة من المياه، وهي عرضة للعطل في أي وقت. ومن الناحية الأمنية فالمفاعل يشكل هدفا استراتيجيا للعدو وللجماعات الإرهابية. وهذا يتطلب حماية أرضية وجوية محكمة، إضافة لحماية خط المياه الناقل من الخربة السمراء وحتى قصر عمرة لمسافة تبلغ 61 كيلومترا.
أما موضوع الإشعاع النووي ففي حالة حدوث خلل فني، ستنتشر الإشعاعات في الهواء مسببة كارثة للبشر والأحياء الأخرى وتلوث البيئة بشكل عام، خاصة إذا لم تتوفر كميات كبيرة من المياه لتبريد المفاعل. وما حدث في مفاعل شيرنوبل بروسيا ولاحقا في مفاعل فوكوشيما باليابان أكبر مثال على ذلك.
ورغم كل التحذيرات من العلماء والكتاب والاحتجاجات من المواطنين ضد إقامة المفاعل، إلا أن هيئة الطاقة الذرية الأردنية تساندها الحكومات المتعاقبة أصمت آذانها وواصلت العمل بالمشروع، وأنفقت عليه مئات الملايين من الدولارات، رافقها شتائم وإهانات وجهها رئيس الهيئة للمعارضين. واليوم ها هي شركة الكهرباء النووية المنبثقة عن المشروع النووي تعلن : ” أن تصفيتها تتم اختياريا وأن السير بالمشروع النووي، يجب أن يتم بما يحقق الفائدة المرجوة، وبما يخدم المصلحة الوطنية العليا “.
فهنيئا لكم يا عرابي هيئة الطاقة الذرية على هذه الصحوة المتأخرة . . وأسألكم هل كنتم تعملون خلال السنوات العشر الماضية، بما لا يخدم المصلحة الوطنية العليا كما يتضح من تصريحكم أعلاه ؟ ولماذا لم تسمعوا أصوات المعارضين وتماديتم بتبديد أموال الشعب دون جدوى ؟ لو حدث مثل هذا في دولة تحترم شعبها لأطاحت برؤوس كثيرة، ولو حدث مثل هذا في كوريا الشمالية لشاهدنا أجساد الفاعلين أهدافا لنيران المدافع المباشرة ..!
الأدهى من كل ذلك . . أن رئيس هيئة الطاقة الذرية، ما زال مصرا على السير بمشروعه، من خلال إقامة عدد من المفاعلات الصغيرة في مواقع مختلفة من الأردن، لكي يوزع بركاته على جميع أفراد الشعب الأردني، ويزيد من عدد المصابين بأمراض السرطان. لا أعرف لماذا لا يكتفي رئيس هيئة الطاقة الذرية بالمفاعلين البحثيين للأغراض المدنية، الموجودين حاليا على الأراضي الأردنية للاستخدامات المدنية ؟
واليوم . . بعد أن سقطت ورقت التوت، وانكشفت عورة هيئة الطاقة الذرية الأردنية أمام كل الأردنيين، بعد عشر سنوات من لعبة ( الاستغماية ) المكلفة، أسأل الحكومة ومجلس النواب : هل سيُفتح تحقيقا بالموضوع تجسيدا لمقولة ” كسر ظهر الفساد ” ؟ أم سيُعتبر مشروعا رياديا يستحق القائمون عليه أوسمة رفيعة ؟
وهل سيحاسب من هدر مئات الملايين من الدولارات دون جدوى ؟ أم ستطلق يد الهيئة من جديد، للاستمرار في تسويق هذه المشاريع العبثية، وتعزيز الفشل السابق بفشل جديد يفوقه كلفة ويعم خطره على قطاع واسع من الشعب ؟ سننتظر لنرى ما تسفر عنه الأيام القادمة من إجراءات حكومية . . وإن غدا لناظره قريب ..!
التاريخ : 12 / 9 / 2018