صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
من المعروف أن لكل وظيفة في المجتمع وصف وظيفي لمن يشغلها، إلا عضوية مجلس النواب الأردني التي لا مواصفات لمن يشغلها. فبعض شاغلوها من ذوي الثقافات العالية، وبعضهم من أصحاب الثقافات المحدودة، وبعضهم الآخر من أصحاب المصالح التجارية وشركات المقاولات مع احترامي للجميع. ومجلس النواب كما هو معروف، يشكل الركن الثالث من أركان الدولة : التشريعية ، التنفيذية والقضائية.
ومن واجبات المجلس الرئيسية : تمثيل الشعب أمام السلطة التنفيذية، وأداء الواجبات التشريعية والرقابية. ولهذا يجب أن يتم اختيار أعضائه، من خيرة أبناء الوطن علما والتزاما ووطنية، بعيدا عن المصالح التجارية، امتثالا لقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : ” التجارة والإمارة لا يجتمعان “.
ومع تعاقب مجالس النواب بعد مجلس عام 1989، فإننا لم نسمع ثناء أو ارتياحا لأعضاء أي مجلس من المجالس اللاحقة، بل أن ناخبيهم واجهوا نوابهم بعد الاطلاع على ممارساتهم العملية تحت القبة بالنقد والمطالبة بحل البرلمان، عندما تبين لهم سوء أدائهم وسعيهم للاهتمام بمصالحهم الخاصة، بعيدا عن مصالح الوطن والشعب، وخلافا للشعارات التي رفعوها خلال حملاتهم الانتخابية.
والسبب في ذلك الأداء الفاشل يعود في حقيقة الأمر، لسوء الاختيار الذي قام به الناخبون عندما تغاضوا عن كفاءة المرشح وانحازوا إلى الروابط العائلية أو العشائرية، أو لمن دفع لهم ثمنا بخسا من المال الأسود وشراء أصواتهم مستغلين حاجتهم له، لكي يصلوا تحت قبة البرلمان باعتباره استثمارا يعود بالنفع عليهم خلال فترة نيابتهم. ويضاف إلى ذلك تدخّل جهات معينة فرضت أشخاصا لا يصلحون للعمل النيابي، بل هم منفذون لرغباتها والاستجابة لإملاء اتهم في مواقف معينة.
هناك مآخذ كثيرة على نواب المجلس الحالي، الذين مرروا قوانين عديدة أضرت بالشعب وبمصالح الوطن، ثم حول بعضهم قاعة المجلس إلى مسرح للمصارعة، الأمر الذي دفع الكثير من المواطنين المطالبة بحل هذا المجلس الذي سار على درب المجالس السابقة. وإن حدث هذا الحل وجرت انتخابات جديدة في ظل قانون الانتخاب الحالي، فلن يتغير في الأمر شيئا، وستعود الوجوه الحالية نفسها إلى مواقعها السابقة. ولتجنب هذا الخلل لابد من سن قانون انتخاب عصري، يعالج كل السلبيات التي تنتج نوابا دون المستوى المطلوب.
وعلى هذا الأساس أرجو من المعنيين، سنّ قانون انتخاب نيابي عصري، يدفع بخيرة أبناء الوطن للوصول إلى البرلمان بتنافس حر شريف، ودون تدخل من أية جهة كانت، على أن يرافقه قانون أحزاب متقدم، لا يزيد عددها عن ثلاثة أحزاب وطنية دون تمويل حكومي، تقوم بتداول السلطة على ضوء برامجها التي تلبي مطالب الشعب وتنهض بالوطن في مختلف المجالات.
وإن كان لي أن أقدم بعض الاقتراحات التي أرى ضرورة توفرها في نائب المستقبل، فأرجو أن أقدم المقترحات التالية :
1. أن لا يحمل المرشح جنسية دولة أخرى غير الجنسية الأردنية.
2. الحد الأدنى لمستوى ثقافة النائب يجب أن لا يقل عن الشهادة الجامعية الأولى، إذ لا يعقل أن يشرّع للأمة نائب شبه أمي، خاصة في تردي مستوى التعليم الثانوي.
3. أن لا يزيد عدد النواب عن 60 نائبا لسهولة السيطرة عليهم من قبل رئيس المجلس واقتصادا بالنفقات.
4. إلغاء جميع الكوتات في قانون الانتخابات المقترح، تطبيقا للمادة 06 من الدستور الأردني والتي تنص على : ” الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات “.
5. فحص السيرة الذاتية للمرشح والتأكد من سمعته وولائه للوطن.
6. أن لا يكون من أصحاب المصالح التجارية والمقاولات ومكاتب المحاماة، بل من أبناء الشعب الكادحين الذين يشعرون باحتياجات الناس ومعاناتهم.
7. أن تتم عملية الانتخاب بمنتهى النزاهة والشفافية دون تدخل من أي جهة أخرى.
8. أن لا يكرر النائب ترشحه للنيابة أكثر من 3 دورات متصلة أو متفرقة، لإفساح المجال لغيره في المشاركة بخدمة الوطن والشعب. فمن الملاحظ أن هناك بعض النواب أمضوا أكثر من ربع قرن، وهم متشبثون بكراسيهم دون أن يتركوا بصمات واضحة في خدمة الوطن أو الشعب.
9. عزل أي نائب يستخدم أساليب العنف تحت القبة أكثر من ثلاث مرات خلال الدورة الإنتخابية، بما يسيء لصورة البرلمان والوطن في الداخل والخارج.
10. السماح بإعادة طرح الثقة بالنائب من قبل قاعدته الشعبية، إذا ظهر فشله في ممارسة واجباته، ولم يسهم بتمثيل ناخبيه بصورة مرضية، بعد سنة من نجاحه كنائب.
قد يعترض بعض رجال القانون أو المشرعين، بحجة أن هذا مخالف لما يجري في انتخابات البرلمانات العالمية. وجوابي لهم : أن لكل دولة خصوصيتها الثقافية والاجتماعية والتمثيلية. وخصوصيتنا في الأردن، تتطلب منا وضع قانون انتخاب خاص بنا، يحدّ من السلبيات التي لمسناها في مجالس النواب خلال العقود الثلاثة الأخيرة، لكي نصنع النائب الذي نريد . . !
وأختم مقالي بحكمة قالها تشرشل في منتصف القرن الماضي وهي : ” إذا أردت أن تعرف أي شعب في العالم، أنظر إلى برلمانه ومن يمثله . . وبعدها سوف تعرف أي من الشعوب يستحق رمي الورد عليه، أو ضربه بالأحذية “.
التاريخ :6 / 3 / 2020